161
الشريف المرتضى و المعتزلة

وكان لهشام بن الحكم الحظّ الأوفر من هذا الاتّهام، حتّى قيل إنّه أوّل من قال: «الله جسم»۱. وقد تضاربت الأقوال حول رأي هشام في المسألة، إلّا أنّ ما نقله الأشعري قد يرفع بعض الغموض الذي لفّ رأي هشام، حيث قال: «وزعم هشام أنّ معنى (موجود) في البارئ أنّه جسم؛ لأنّه شيء موجود»۲. وقال أيضاً وهو يحكي عن هشام: «وحُكي عنه أنّه قال: هو جسم لا كالأجسام، ومعنى ذلك أنّه شيء موجود»۳. وهذا يدلّ بوضوح على مقصود هشام من الجسم، فهو يعني به الوجود والشيئية، وهذا بعيد كلّ البعد عن التشبيه والتجسيم۴.

وقد رفض المرتضى اتّهام هشام بالتجسيم الذي ذكره القاضي عبد الجبّار، وناقشه من عدّة جهات، حيث قال: «فأمّا ما رَمَى [أي القاضي عبد الجبّار] به هشامَ بنَ الحكم رحمه الله بالتجسيم، فالظاهر من الحكاية عنه القولُ بجسمٍ لا كالأجسام، ولا خلاف في أنّ هذا القول ليس بتشبيه، ولا ناقضٍ لأصلٍ...وأكثرُ أصحابنا يقولون: إنّه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة...فأمّا الحكاية عنه أنّه ذهب في الله تعالى [إلى] أنّه جسم له حقيقة الأجسام الحاضرة، وحديث الأشبار المُدَّعى عليه، فليس نعرفه إلّا من حكاية الجاحظ عن النظّام، وما [هو] فيها إلّا متَّهمٌ عليه، غيرُ موثوق بقوله في مثله...الخ"۵. وبذلك لا يمكن عَدُّ فكرة نفي التشبيه والتجسيم فكرة معتزلية خالصة، بل كانت هذه الفكرة موجودة عند الإمامية منذ العصر الأوّل، خاصّة وأنّ روايات أهل البيت علیهم السّلام تؤيّدها۶.

كما تقدّم أنّ المعتزلة أنفسهم يتباهون بإرجاع علومهم في التوحيد والعدل إلى

1.. سامي النشّار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج۲، ص۱۷۳.

2.. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۵۲۱.

3.. المصدر السابق، ص۲۰۸.

4.. وانظر: سامي النشّار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج۲، ص۱۷۴-۱۷۷.

5.. المرتضی، الشافي في الإمامة، ج۱، ص۸۳ - ۸۶؛ وانظر: الحسني، الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة، ص۱۸۷ - ۱۹۱.

6.. الكليني، الكافي، ج۱، ص۱۰۴.


الشريف المرتضى و المعتزلة
160

حقيقية، ولو قالوا إنّها مَجازية لما اضطرّوا إلى هذا الرأي.

أمّا الإمامية فقد اتّفق الشيخ المفيد مع البغداديين في إنكار الإرادة واعتبارها أمراً مَجازياً۱، كما آمن بأنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي فعله، وإرادته لأفعال الناس أمره بها۲. وفي الحقيقة لم يتابع الشيخ المفيد البغداديين في هذه المسألة، بل تابَعَ فيها روايات أهل البيت علیهم السّلام الدالّة على هذا التفصيل، حيث صرّح بذلك في قوله: «وأقول:إنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفسُ أفعاله، وإرادته لأفعال خلقه أمرُه بالأفعال، وبهذا جاءت الآثار عن أئمّة الهدى من آل محمّد صلی الله علیه و آله»۳.

وهذا الاتّفاق الغريب بين نظرية البغداديين، وروايات أهل البيت علیهم السّلام لا يمكن أن يكون مجرّد صدفة، بل هو يدلّ على اطّلاع البغداديين على تلك الروايات ومعرفتهم بها، وقد ألّف الشيخ المفيد في هذا المجال رسالة تحمل عنوان: (الرسالة المقنعة في وفاق البغداديين من المعتزلة لما روي عن الأئمّة علیهم السّلام)۴. وهو عنوان معبَّر جدّاً عن ما نحن فيه، ومؤيّد لما تقدّم.

أمّا المرتضى فقد حذا في مسألة الإرادة حذو البصريين، وتبنّى نظرية (الإرادة الحادثة لا في محلّ)، واستدلّ على ذلك بالتفصيل۵، فيكون بذلك تابعاً للمعتزلة البصريين في بحث حقيقة الإرادة.

۸. نفي التشبيه والتجسيم

تمكّن المعتزلة بفضل ما أوتوا من نفوذ علمي وربّما سياسي من إثارة اتّهام كبير حول الإمامية، حيث اتّهموهم بالتشبيه والتجسيم، وبذلك صار الإمامية بعيدين كلّ البعد عن التوحيد (التوحيد بمعنى نفي التشبيه والتجسيم).

1.. المفيد، مسألة في الإرادة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد، ج۱۰)، ص۷-۸.

2.. المفيد، أوائل المقالات، ص۵۳.

3.. المصدر السابق.

4.. النجاشي، رجال النجاشي، ص۴۰۰.

5.. المرتضى، الملخّص، ص۳۷۰-۳۸۹؛ المرتضی، شرح جُمل العلم والعمل، ص۵۸-۶۰.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1110
صفحه از 275
پرینت  ارسال به