159
الشريف المرتضى و المعتزلة

يدلّ على وجود تعقيد في البحث وصعوبة بحيث أدّى إلى كلّ هذا الاختلاف.

والذي يهمّنا من اختلافهم هو آراء البغداديين والبصريين، فقد ذهب أبو القاسم البلخي وأتباعه من البغداديين إلى إنكار وجود صفة إرادة لله تعالى على الحقيقة، وميّزوا بين إرادة الله تعالى لأفعاله، وإرادته لأفعال الناس، فالأولى عبارة عن نفس أفعاله، والثانية عبارة عن أمره بالأفعال. وقالوا إنّ وصفه تعالى بالإرادة في هذين الموردين مَجاز لا حقيقة، كما في نسبة الإرادة إلى الجدار في قوله تعالى: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)۱.

إلّا أنّ البصريين اختلفوا معهم، واعتقدوا بوجود صفة الإرادة على الحقيقة، لكنّهم آمنوا بحدوثها بعد أن أبطلوا أن يكون تعالى مريداً لنفسه أو لعلّة أو بإرادة قديمة. وبما أنّه لم يمكنهم إنكار صفة الإرادة كما أنكرها البغداديون - وقالوا: لم يكن إلى نفي كونه مريداً من سبيل۲- فلم يبق أمامهم إلّا إثبات صفة الإرادة كصفة حادثة، وعندما أثبتوا ذلك أخذوا يبحثون عن محلّ لها؛ إذ لا يمكن أن يكون محلّها ذات الله تعالى القديمة، فإنّها لا تكون محلّاً للحوادث، فبحثوا عن محلًّ حادثٍ تحلّ فيه، ولا يخلو المحلّ إمّا أن يكون حياً أو لا، لكنّهم واجهوا على كلا الوجهين إشكالات، فاضطرّوا إلى أن يتنازلوا عن فكرة محلّ الإرادة، فقالوا: إنّها موجودة لا في محلّ۳.

وبذلك أبدع البصريون نظرية (الإرادة الحادثة لا في محلّ)، وهي مكوّنة من ثلاثة أجزاء رئيسية:

(الإرادة): اختلفوا في هذا الجزء مع البغداديين الذين أنكروا وجود إرادة على الحقيقة، وأراحوا أنفسهم من التطويلات التي جاء بها البصريون.

(الحادثة): اختلفوا فيها مع الأشاعرة الذين التزموا بوجود إرادة أزلية قديمة۴.

(لا في محلّ): هذا الرأي الغريب ناشئ من الإصرار على افتراض وجود إرادة

1.. البغدادي، الفرق بين الفِرَق، ص۱۶۹؛ والآية من سورة الكهف، ورقمها ۸۰.

2.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الإرادة)، ج۶، ق۲، ص۱۴۰.

3.. المصدر السابق، ص۱۴۹.

4.. البغدادي، الفرق بين الفِرَق، ص۱۶۹.


الشريف المرتضى و المعتزلة
158

هذا بيان أبي عليّ الجبّائي، أما بيان أبي هاشم ومَن تابعه في نظرية الأحوال، فيصبح معنى السميع والبصير هو أنّه تعالى يكون على حالٍ يدرِك بها المسموع والمُبصَر إذا وُجِدا۱.

إنّ الحال التي يتحدّث عنها القائلون بنظرية الأحوال هي حال «الحياة»، قال القاضي: «وقد بيّنّا من قبل أنّه لا يرجع بهذه الحال إلّا إلى كونه حياً»۲. أي أنّ حال «الحياة» هي التي تقتضي صفتي السمع والبصر، وليس هناك حالان في ذاته تعالى یكون أحدهما مقتضياً للسمع، والآخر للبصر۳؛ وذلك لأنّ ذلك سوف يعيد المشكلة من جديد، وهي مشكلة أزلية هاتين الصفتين، لذلك قاموا بربطها بحال الحياة الأزلية، ورفضوا وجود أيّ حال أخرى مقتضية للصفتين؛ لأنّ افتراض حال أخرى يعني أنّه يمكن أن يكون الموجود حياً لا آفة به، ومع ذلك لا يكون سميعاً ولا بصيراً، وهو محال۴.

هذا ما يبدو لنا من تحليلٍ للنزاع الذي نشب بين البغداديين والبصريين حول صفتي السمع والبصر.

وقد سار المرتضى على خطى البصريين في هذه المسألة، وأرجع تلك الصفتين إلى الحياة، رافضاً بذلك موقف البغداديين۵، وبذلك يكون تابعاً للمعتزلة البصريين في بحث حقيقة صفتي السمع والبصر.

۷. الإرادة

اتفق المعتزلة على أنّ الإرادة من صفات الفعل، عدا بشر بن المعتمر الذي رأى أنّ الإرادة نوعان: صفة ذات وفعل۶، واختلفوا في حقيقة الإرادة على أقوال كثيرة۷، وهو

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الفرَق غير الإسلامية)، ج۵، ص۲۴۱.

2.. المصدر السابق.

3.. المرتضی، الملخّص، ص۹۸.

4.. انظر: المصدر السابق، ص۹۱-۹۹؛ المرتضی، الذخيرة، ص۵۸۵-۵۸۶.

5.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الإرادة)، ج۶، ق۲، ص۳.

6.. انظر: الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۱۸۹ - ۱۹۱؛ القاضي عبد الجبّار، المغني (الإرادة)، ج۶، ق۲، ص۳ - ۶.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1198
صفحه از 275
پرینت  ارسال به