يدلّ على وجود تعقيد في البحث وصعوبة بحيث أدّى إلى كلّ هذا الاختلاف.
والذي يهمّنا من اختلافهم هو آراء البغداديين والبصريين، فقد ذهب أبو القاسم البلخي وأتباعه من البغداديين إلى إنكار وجود صفة إرادة لله تعالى على الحقيقة، وميّزوا بين إرادة الله تعالى لأفعاله، وإرادته لأفعال الناس، فالأولى عبارة عن نفس أفعاله، والثانية عبارة عن أمره بالأفعال. وقالوا إنّ وصفه تعالى بالإرادة في هذين الموردين مَجاز لا حقيقة، كما في نسبة الإرادة إلى الجدار في قوله تعالى: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)۱.
إلّا أنّ البصريين اختلفوا معهم، واعتقدوا بوجود صفة الإرادة على الحقيقة، لكنّهم آمنوا بحدوثها بعد أن أبطلوا أن يكون تعالى مريداً لنفسه أو لعلّة أو بإرادة قديمة. وبما أنّه لم يمكنهم إنكار صفة الإرادة كما أنكرها البغداديون - وقالوا: لم يكن إلى نفي كونه مريداً من سبيل۲- فلم يبق أمامهم إلّا إثبات صفة الإرادة كصفة حادثة، وعندما أثبتوا ذلك أخذوا يبحثون عن محلّ لها؛ إذ لا يمكن أن يكون محلّها ذات الله تعالى القديمة، فإنّها لا تكون محلّاً للحوادث، فبحثوا عن محلًّ حادثٍ تحلّ فيه، ولا يخلو المحلّ إمّا أن يكون حياً أو لا، لكنّهم واجهوا على كلا الوجهين إشكالات، فاضطرّوا إلى أن يتنازلوا عن فكرة محلّ الإرادة، فقالوا: إنّها موجودة لا في محلّ۳.
وبذلك أبدع البصريون نظرية (الإرادة الحادثة لا في محلّ)، وهي مكوّنة من ثلاثة أجزاء رئيسية:
(الإرادة): اختلفوا في هذا الجزء مع البغداديين الذين أنكروا وجود إرادة على الحقيقة، وأراحوا أنفسهم من التطويلات التي جاء بها البصريون.
(الحادثة): اختلفوا فيها مع الأشاعرة الذين التزموا بوجود إرادة أزلية قديمة۴.
(لا في محلّ): هذا الرأي الغريب ناشئ من الإصرار على افتراض وجود إرادة