151
الشريف المرتضى و المعتزلة

الشيخ المفيد حياً، ثم تغيّر رأيه بعد ذلك، واختار نظرية الأحوال، والله العالم.

إذن هناك عدم وضوح حول تبنّي المرتضى لنظرية الأحوال وعدمه، لكن لا يمكن نفي إيمانه بالأحوال بصورة جازمة.

وبعد نهاية البحث عن الأبحاث العامّة حول الصفات، نتطرّق إلى البحث عن أهمّ الصفات الإلهية، وهي:

۳. القدرة

بعد أن أثبت المرتضى وجود المُحدِث للأجسام، بدأ ببيان صفاته، فلم يُسمَّ مُحدِث الأجسام إلهاً إلّا بعد إثبات بعض الصفات الثبوتية كالقدرة والعلم، وإثبات أزليّتها وعمومها وغير ذلك من خصوصيات الذات الإلهية.

وأوّل الصفات التي بحثها هي صفة القدرة، فقد استدلّ على إثباتها لمُحدِث الأجسام من خلال التفريق بين حالتين في الشاهد، فنحن إذا وجدنا في الشاهد ذاتاً يمكن أن يصدر منها فعل مّا، وذاتاً أخرى تشارك الأولى في كل صفاتها المعقولة كالوجود والحياة والعلم، لكن يتعذّر عليها القيام بذلك الفعل، فمن هنا نعلم أنّ الذات الأولى كانت مختصّة بحال أو صفة غير موجودة في الذات الأخرى التي تعذّر عليها القيام بالفعل، وهذا الأمر الذي اختصّت به الذاتُ الأولى هو الذي نسمّيه «القدرة». ومن هنا ننتقل إلى الغائب، فنجد أنّ مُحدِث الأجسام قد قام بفعلٍ، وهو إحداث الأجسام، فيجب أن يكون قادراً؛ لأنّ الدليل مشترك بين الشاهد والغائب۱.

والملاحَظ هنا أنّ المرتضى لم يجزم باختصاص القادر بحال، بل ردّده بين أن يكون مختصّاً بحال أو صفة، وهذا يوحي بعدم تبنّيه الكامل لنظرية الأحوال البهشمية، وتردّده في ذلك كما تقدّم، فهو قد ترك الباب نصف مفتوح، ولم يوصده بالكامل، فلم يؤمن بالنظرية كاملاً، ولم يرفضها بالمرّة، وذلك على خلاف القاضي عبد الجبّار مثلاً، فهو عند تعريفه للقدرة قال: «اعلم أنّ القديم جلّ وعزّ يوصف

1.. المرتضی، الملخّص، ص۷۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
150

أيّ حال فما ذكره المحقّق الحلّي يدلّ إجمالاً على أنّ المرتضى ما كان يؤمن بنظرية الأحوال بالنسبة لصفتي السميع والبصير على أقلّ تقدير.

ثالثاً: تقدّم أنّ أبا هاشم قد أرجع الأحوال إلى حال واحدة وهي «الألوهية»، لكن لا نجد المرتضى يتحدّث عن شيء من هذا القبيل، وهذا يؤدّي إلى الشكّ في إيمان المرتضى بنظرية الأحوال؛ فمن المستبعد أن يؤمن بجانب من النظرية دون آخر.

رابعاً: الملاحَظ أنّ المرتضى يتحدّث تارة بلغةٍ تخالف نظرية الأحوال، فيقول في رسالة «مقدّمة في الأصول الاعتقادية»: «ويجب أن يكون تعالى قادراً عالماً لنفسه»۱. فهذه العبارة تناسب نظرية عينية الذات والصفات، لا نظرية الأحوال، لكنّه بعد تلك العبارة بقليل يقول: «ووجوب هذه الصفات يدلّ على أنّ لها مقتضياً، والمقتضي لذلك صفة ذاته التي خالف بها جميع الذوات»۲. فهذه العبارة أنسب بنظرية الأحوال؛ فهي تتحدّث عن وجود مقتضي للصفات، وهذا المقتضي هو الحال۳. وهذا كلّه مبنيّ على فرض صحّة نسبة الرسالة الآنفة الذكر إلى المرتضى.

وأخيراً، لقد نقل المرتضى عبارة عن شيخه المفيد حول الأحوال تدلّ على رفضها، حيث قال: «سمعتُ شيخنا أبا عبد الله (أدام الله عزّه) يقول: ثلاثة أشياء لا تُعقل، وقد اجتهد المتكلّمون في تحصيل معانيها من معتقِديها بكل حيلة، فلم يظفروا منهم إلّا بعبارات يتناقض المعنى فيها على مفهوم الكلام: اتّحاد النصرانية، وكسب النجّارية، وأحوال البهشمية. وقال الشيخ: ومن ارتاب بما ذكرناه في هذا الباب، فليتوصّل إلى إيراد معنىً - في واحد منها - معقول، أو الفرق بينها في التناقض والفساد؛ ليعلم أنّ خلاف ما حكمنا به هو الصواب، وهيهات»۴. وقد يكون عدم إشكال المرتضى على هذا الكلام الذي يشتمل على نقد لنظرية الأحوال دليلاً على قبوله به، إلّا أن يقال إنّ هذا مربوط بفترة شبابه، حيث كان

1.. المرتضى، مقدّمة في الأصول الاعتقادية، ص۷۹.

2.. المصدر السابق.

3.. انظر: المناعي، أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية، ص۱۶۰.

4.. المفيد، الحكايات، ص۴۵-۴۷.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 941
صفحه از 275
پرینت  ارسال به