149
الشريف المرتضى و المعتزلة

«فصلٌ: في كيفية استحقاقه تعالى ما تقدّم ذكره من الصفات، وأنّه يستحقّها لذاته لا لمعانٍ... وإذا بطلت أقسام المعاني كلّها لم يبقَ إلّا أن يكون مستحقّاً لها لذاته، أو لِمَا هو عليه في ذاته»۱. فإنّ قوله: «أو لِمَا هو عليه في ذاته» يتناسب مع نظرية الأحوال، بينما قوله: «مستحقّاً لها لذاته» يتناسب مع نظرية عينية الذات والصفات.

وهناك عبارات أخرى شبيهة بهذه العبارة، مثل قوله حول صفة القِدَم: «فلابدّ من كون هذه الصفة، أو ما تستند اليه من أخصّ أوصافه»۲، وقوله حول القدرة: «...وجب أن يكون قادراً لنفسه، أو لِمَا عليه في نفسه»۳، وأيضاً قوله: «وقد بيّنا أنّ كونه قادراً إذا كان للنفس، أو لِمَا يرجع إلى النفس...الخ»۴، كما قال في موضع آخر: «وقد علمنا أنّ ما هذه صفته إمّا أن يكون من صفات نفسه، أو لِمَا هو عليه في نفسه»۵.

كما عبّر عن صفتي القدرة والعلم بتعبيرين مختلفين، فقال: «...لأنّا قد بيّنا أنّه من حيث كان قادراً لنفسه، أن يكون قادراً...» ثم قال بعد سطور: «لِمَا بيّنّاه من كونه عالماً لِمَا هو عليه في نفسه»۶.

فهذه العبارات مردّدة ترديداً واضحاً بين نظرية العينية والأحوال، وهي قد تدلّ على وجود نوع ترديد في ذهن المرتضى حول اختيار إحدى النظريتين.

ثانياً: ذكر المحقّق الحلّي أنّ الشريف المرتضى ما كان يؤمن بأنّ صفتي السميع والبصير أحوالاً، وإنّما كان يعتبرهما حكماً، فقد قال المحقّق بهذا الصدد: «وصفُهُ بكونه سميعاً بصيراً. فنقول: اتّفق...والمرتضى; يجعل ذلك حكماً، ولا يثبت به وصفاً زائداً، ويقول: معنى ذلك أنّه يصح أن يسمع المسموع ويبصر المبصر إذا وجد. وهذه الصحّة حكمٌ لا حال»۷. ولكن لم يتّضح لنا الفرق بين الحكم والحال. وعلى

1.. المصدر السابق، ص۱۳۸؛ وانظر: ص۱۸۵؛ المرتضى، الذخيرة، ص۵۸۲.

2.. المرتضی، الملخّص، ص۴۱.

3.. المصدر السابق، ص۱۲۳.

4.. المصدر السابق، ص۱۰۷.

5.. المصدر السابق، ص۲۳۴.

6.. المصدر السابق، ص۱۹۴.

7.. المحقّق الحلّي، المسلك في أصول الدين، ص۴۷ - ۴۹.


الشريف المرتضى و المعتزلة
148

لنظرية أحوال أبي هاشم، ولكن إذا لاحظنا الموضوع الذي كان يتحدّث عنه المرتضى قبل هذا النصّ، لأمکن التشکیك في ذلك؛ فإنّه كان يناقش نظرية مائية ضرار من خلال مناقشة منهجيّة البحث وكيفية إثبات الصفات، فقد قال ما مضمونه: إذا ثبت الشيء بطريقٍ، فلابدّ أن تثبت صفاته بهذا الطريق نفسه، وبما أنّ ذاته تعالى قد ثبتت من خلال الفعل، فلابدّ أن تثبت صفاته من خلال الفعل أيضاً، وإذا لاحظنا الفعل لم نجد ما يدلّ من خلاله على المائية التي جاء بها ضرار. ثم طرح المرتضى إشكالاً على نفسه، وهو أنّ أبا هاشم قد أثبت أحوالاً، وهي نفس المائية التي قال بها ضرار. فأجاب بأنّ أبا هاشم لم يَخرج عن تلك المنهجيّة البحثية المتقدّمة، فهو لم يُثبِت إلّا ما اقتضاه الفعل الذي ثبتت به الذات الإلهية، فلا يَرد عليه إشكال منهجي، فإن كان ضرار يقصد ما أراده أبو هاشم فقد أصاب المعنى من وجهٍ، أي أصاب الحقيقة من حيث أنّه لم يأتِ بشيء مخالف لمنهجية البحث۱.

إذن إذا لاحظنا مسيرة البحث التي طرحها المرتضى هنا، لوجدنا أنّه لم يُرد أن يصحّح نظرية أحوال أبي هاشم من خلال النصّ المذكور أعلاه، وإنّما أراد أن يبيّن أنّ أبا هاشم لم يخطئ منهجيّةَ البحث؛ باعتبار أنّه استدلّ على الأحوال بالأفعال، كما استدلّ على الذات بها، لكنّ هذا لا يقتضي أن يكون ما انتهى إليه أبو هاشم من نظرية الأحوال صحيحاً من وجهة نظر المرتضى؛ فصحّة المنهج البحثي شيء، وصحّة نتيجة البحث شيء آخر. هذا ما ظهر لنا من النصّ المتقدّم.

ولكن وجود العبارات المتقدّمة، إضافة إلى عدم وجود نقد صريح لنظرية الأحوال من قِبَل المرتضى، كلّ هذا يقوّي احتمال إيمانه بهذه النظرية.

إلاّ أنّه يبقى بعض الغموض والملاحظات التي يجب الإشارة إليها في هذا المجال:

أوّلاً: سوف يأتي بعد قليل في بحث صفة القدرة، عدمُ وضوح عبارة المرتضى حول اعتبار القدرة حالا أم لا.

كما أنّ هناك عبارة مغلقة حول رأي المرتضى بالنسبة إلى نظرية الأحوال، هي:

1.. المصدر السابق، ص۱۳۰ - ۱۳۱.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1180
صفحه از 275
پرینت  ارسال به