حلّاً، وهي معرفة الأساس الذي تختلف فيه صفات الأشياء، فلماذا يكون هذا الشيء أسود وذاك أبيض؟ ولماذا هذا متحرّك وذاك ساكن؟ ولماذا لا يكون العكس، فيكون هذا أبيض أو ساكناً، وذاك أسود أو متحرّكاً؟ من هنا نشأت فكرة «المعاني» التي نادى بها معمر، فقال إنّ سبب اختصاص واتّصاف الجسم بصفة دون أخرى يرجع إلى وجود «معنى» في الجسم يدعو إلى الاتّصاف بتلك الصفة دون غيرها. لكن رأى معمر أنّ نفس الإشكالية ستنتقل إلى «المعنى»، وهو أنّه لماذا وجد في الجسم «معنى» يلائم صفة البياض مثلاً، ولم يوجد فيه «معنى» يلائم صفة السواد؟ حينئذ اضطر معمر إلى افتراض معنى آخر وراء المعنى الأوّل هو الذي اقتضى وجود المعنى الأوّل الملائم للبياض دون السواد، وحينئذ سيعود السؤال بالنسبة إلى المعنى الثاني، فلابدّ من افتراض معنى ثالث، وهكذا إلى ما لا نهاية. وبهذا ظهر علينا معمر بنظرية «المعاني اللامتناهية» لحلّ مشكلة اتّصاف الذوات بالصفات.
وقد واجه أبو هاشم الجبّائي نفس الإشكالية، لكنّه حاول تركيزها على الصفات الإلهية فقط، وبذلك تحوّلت الإشكالية من إشكالية فلسفية شاملة لكلّ الذوات وصفاتها عند معمر، إلى إشكالية كلامية خاصّة بالصفات الإلهية عند أبي هاشم.
لقد واجه أبو هاشم في عصره نظريتين حول تفسير حقيقة الصفات، هي:
أوّلاً: نظرية زيادة الصفات على الذات، وهي نظرية الصفاتية، حيث آمنوا بأنّ للصفات وجوداً خاصّاً بها زائداً على الذات، وأنّ الذات الإلهية توصف بها، فالعلم مثلاً صفة زائدة على ذاته تعالى، وهي تعرض عليها كما تعرض الأعراض على الجواهر.
ثانياً: نظرية عينية الصفات والذات، وهي القائلة إنّ صفاته تعالى عين ذاته، وليس لها أيّ استقلال وجودي أو زيادة على الذات، فالذات الإلهية عين العلم، والعلم عين الذات. وقد آمن أبو علي الجبّائي وأتباعه بهذه النظرية.
أما أبو هاشم فقد حاول أن يجد حلّاً وسطاً لإشكالية اتّصاف الذات بالصفات من دون أن يفترض زيادة الصفات على الذات أو عينيتها معها، فقال: إنّ حقيقة الصفات هي ما سمّاه: «الحال»، وقال: إنّ هناك أحوالاً في الذات الإلهية، لا موجودة حتّى يقال بعينيتها، ولا معدومة حتّى يُتّهم بالتعطيل وإنكار الصفات، وإنّما لها ثبوت واقعي، وهو