147
الشريف المرتضى و المعتزلة

غير الوجود والعدم!! وهذه الأحوال هي العالميَّة والقادريَّة والحیَّیَّة والموجوديَّة، وهي ترجع إلى حالٍ تجمعها وهي «الألوهيّة»، وعلى أساس هذه الأحوال تتّصف الذات بصفات العلم والقدرة والحياة. إذن إنّما تتّصف الذات بصفة العلم وذلك لاختصاصها بحال العلمية، وهكذا باقي الصفات. وبذلك حاول أبو هاشم إعطاء بيان جديد ومبتكَر لحلّ إشكالية اتّصاف الذات بالصفات۱.

ولكن ما هو موقف الشريف المرتضى من هذه النظرية؟ هل كان مؤيَّداً لها أم كان من الرافضين لها؟ عند قراءة ما كتبه المرتضى حول موضوع الصفات، يظهر للقارئ أنّه كان مؤمناً إلى حدّ مّا بنظرية الأحوال، وأنّه كان يفسّر وجود الصفات الإلهية من خلالها، فقد قال عند حديثه عن إثبات صفة القدرة الإلهية: «ولو لم يختصّ مَن تأتّى منه الفعل بحالٍ أو صفةٍ ليست لمن تعذّر عليه، لم يكن بالتأتّي أولى من التعذّر، ولا كان مَن تعذّر عليه ذلك أولى من غيره. فثبت الاختصاص بحالٍ ليست حاصلة لمن تعذّر عليه الفعل»۲، وقال عن صفة العلم: «إنّ العلم بأنّه حيّ ليس متعلّقه أنّه يصح، وإنّما هو علم بكونه على حالٍ يصحّ كونه قادراً عالماً»۳، كما قال عن صفة الإدراك: «الدلالة على إثبات كون الواحد منّا مدرِكاً، وأنّ له بكونه مدرِكاً حالاً مخالفة للحال التي تجب له بكونه قادراً وعالماً»۴، وهذه العبارات تدلّ ظاهراً على تبنّيه نظرية الأحوال البهشمية، وإيمانه بها.

كما أنّ هناك نصّاً مهمّاً في هذا المجال، فقد قال المرتضى عند مناقشته لفكرة «المائية» التي جاء بها ضرار: «فإن كان ضرار إنّما عَنى بالمائية هذه الحال التي أثبتها أبو هاشم، فقد أصاب المعنى من وجهٍ»۵، فهذا النصّ يبدو صريحاً في تبنّي المرتضى

1.. انظر: مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۹۷ - ۱۰۵؛ دائرة المعارف بزرگ إسلامى (بالفارسية)، ج۷، ص۱۲۷ - ۱۲۹، مدخل: (أحوال).

2.. المرتضى، الملخّص، ص۷۳.

3.. المصدر السابق، ص۷۹.

4.. المصدر السابق، ص۹۱.

5.. المصدر السابق، ص۱۳۱، وقد نبّهَنا إلى هذا النصّ صديقنا الدكتور محمّد جعفر الرضائي.


الشريف المرتضى و المعتزلة
146

حلّاً، وهي معرفة الأساس الذي تختلف فيه صفات الأشياء، فلماذا يكون هذا الشيء أسود وذاك أبيض؟ ولماذا هذا متحرّك وذاك ساكن؟ ولماذا لا يكون العكس، فيكون هذا أبيض أو ساكناً، وذاك أسود أو متحرّكاً؟ من هنا نشأت فكرة «المعاني» التي نادى بها معمر، فقال إنّ سبب اختصاص واتّصاف الجسم بصفة دون أخرى يرجع إلى وجود «معنى» في الجسم يدعو إلى الاتّصاف بتلك الصفة دون غيرها. لكن رأى معمر أنّ نفس الإشكالية ستنتقل إلى «المعنى»، وهو أنّه لماذا وجد في الجسم «معنى» يلائم صفة البياض مثلاً، ولم يوجد فيه «معنى» يلائم صفة السواد؟ حينئذ اضطر معمر إلى افتراض معنى آخر وراء المعنى الأوّل هو الذي اقتضى وجود المعنى الأوّل الملائم للبياض دون السواد، وحينئذ سيعود السؤال بالنسبة إلى المعنى الثاني، فلابدّ من افتراض معنى ثالث، وهكذا إلى ما لا نهاية. وبهذا ظهر علينا معمر بنظرية «المعاني اللامتناهية» لحلّ مشكلة اتّصاف الذوات بالصفات.

وقد واجه أبو هاشم الجبّائي نفس الإشكالية، لكنّه حاول تركيزها على الصفات الإلهية فقط، وبذلك تحوّلت الإشكالية من إشكالية فلسفية شاملة لكلّ الذوات وصفاتها عند معمر، إلى إشكالية كلامية خاصّة بالصفات الإلهية عند أبي هاشم.

لقد واجه أبو هاشم في عصره نظريتين حول تفسير حقيقة الصفات، هي:

أوّلاً: نظرية زيادة الصفات على الذات، وهي نظرية الصفاتية، حيث آمنوا بأنّ للصفات وجوداً خاصّاً بها زائداً على الذات، وأنّ الذات الإلهية توصف بها، فالعلم مثلاً صفة زائدة على ذاته تعالى، وهي تعرض عليها كما تعرض الأعراض على الجواهر.

ثانياً: نظرية عينية الصفات والذات، وهي القائلة إنّ صفاته تعالى عين ذاته، وليس لها أيّ استقلال وجودي أو زيادة على الذات، فالذات الإلهية عين العلم، والعلم عين الذات. وقد آمن أبو علي الجبّائي وأتباعه بهذه النظرية.

أما أبو هاشم فقد حاول أن يجد حلّاً وسطاً لإشكالية اتّصاف الذات بالصفات من دون أن يفترض زيادة الصفات على الذات أو عينيتها معها، فقال: إنّ حقيقة الصفات هي ما سمّاه: «الحال»، وقال: إنّ هناك أحوالاً في الذات الإلهية، لا موجودة حتّى يقال بعينيتها، ولا معدومة حتّى يُتّهم بالتعطيل وإنكار الصفات، وإنّما لها ثبوت واقعي، وهو

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1202
صفحه از 275
پرینت  ارسال به