الثانية: إثبات أنّ الأجسام بحاجة إلى مُحدِث وخالق.
وكلا المرحلتين بحاجة إلى برهان مكوّن من أربع مقدّمات. والجدير بالذكر أنّ الاستدلال بحدوث الأجسام على وجود المُحدِث ليس فكرة معتزلية خالصة، بل هي فكرة موجودة في ثنايا روايات أهل البيت علیهم السّلام۱، وبذلك لا يصحّ عدُّ المرتضى متأثّراً بالمعتزلة في تبنّيه لهذا البرهان، وأنّه لولاهم لَمَا وجَّه اهتمامه إليه، ما دام هناك مصدر فكري آخر هو أولى من غيره أن يكون مصدراً لفكر المرتضى، وهو روايات أهل البيت علیهم السّلام.
نعم إنّ صياغة برهان حدوث الأجسام والوصول من خلاله إلى إثبات المُحدِث هو من نتاج الفكر المعتزلي، وقد نسبت صياغة هذا البرهان إلى أبي الهذيل العلّاف۲.
وعلی أيّ حال فبرهان إثبات المُحدِث لا يرمي إلّا إلى إثبات أنّ هناك مُحدِثاً وموجِداً للأجسام، أمّا ما هي صفاته، وهل هو قديم، أو قادر، أو عالم، أو غير ذلك فهو ممّا يأتي في بحث الصفات.
وبما أنّ هذا البرهان لا يُثبت إلّا وجود مُحدِث للأجسام، لذلك لا يصحّ أن يقال إنّ هذا البرهان هو برهان إثبات وجود الله تعالى كما فعل بعض الكتَّاب۳، وإنّما هو مجرّد برهان لإثبات مُحدِث الأجسام، ولا يمكن الحديث عن الله تعالى إلّا بعد إثبات بعض الصفات كالقدرة والعلم والحياة، وأمّا مجرّد إثبات أنّ هناك مُحدِثاً للعالَم لا يدلّ على أنّه هو الله تعالى القادر العالم الحيّ، بل يَثبت ذلك من خلال براهين أخرى.
ونشير في ما يلي باختصار إلى برهان إثبات المُحدِث بمرحلتيه:
المرحلة الأولى: إثبات حدوث الأجسام
يبتني هذا البرهان على أربع مقدّمات هي: ۱. إنّ ههنا معاني غير الأجسام، وهي