المقدّمة
شهد علم الكلام عند الشيعة الإمامية خلال مسيرته الطويلة تحدّيات عديدة، كان بعضها كفيلاً بأن يأتي على هذه الفرقة العريقة في الإسلام، إلّا أنّ وجود الأئمة علیهم السّلام، والعلماء فيما بعد، والجهود الكبيرة التي بذلوها، حالت دون تضعضع أركان التشيّع الإمامي، ومنحته فرصة كافية كي يرفع رأسه من بين ركام كبير من العراقيل والمطبّات التي ملأت طريقه. وقد بلغت تلك التحدّيات الذروة عند دخول الإمامية في فترة الغيبة، حيث انقطع ارتباطهم المباشر بالإمام المعصوم علیه السّلام الذي اعتادوا على الاتّصال به، وأخذِ الحلول والإجابات على كلّ ما كان يعرض لهم من مسائل في كافّة المجالات. وبذلك كان الإمام في عصر الحضور قد تحوّل إلى كهف يلجأ إليه الشيعة في كلّ نائبة ونازلة تنزل بهم، سواء كان ذلك في المجالات العلمية، أم الحياة العادية.
لقد فقد الإمامية مع غيبة الإمام هذا الملجأ، ودخلوا في فترة عصيبة عُرفت بفترة الحيرة، مما أدّى إلى انكفائهم على ذواتهم إلى حدًّ مّا. وقد ساعد على ذلك - إضافة إلى ما سلف من حصول ظاهرة الغيبة - القمعُ السياسي الذي أخذت تمارسه السلطة الحاكمة آنذاك ضدّ المتكلّمين عامّة والشيعة خاصّة، حيث بدأت في عصر المتوكّل حملة شعواء على متكلّمي المعتزلة والمتكلّمين بصورة عامّة، وانحازت السلطة إلى جانب أهل الحديث على حساب المتكلّمين، ممّا أدّى إلى انزواء المتكلّمين - بما فيهم متكلّمو الشيعة، المغضوب عليهم من الأساس - وضمور نشاطهم بصورة كبيرة.