137
الشريف المرتضى و المعتزلة

من النظر الحصول على العلم، فإذا كان العلم حاصلاً منذ البداية فلا مبرّر للنظر.

وقد اختلف بعض كبار أصحاب أبي هاشم، وهو أبو عبد الله البصري مع الجبّائيَّين، فقال: ليس ضرورياً أن يجتمع النظر مع الشكّ فقط، بل قد يجتمع معه، ومع أمور أخرى، وهي: اعتقاد المنظور فيه، من دون الوصول إلى درجة العلم وسكون النفس، أو الظنّ في المنظور فيه۱. والقاسم المشترك بين هذه الأمور الثلاثة التي يمكن أن يجتمع معها النظر - أي الشكّ والاعتقاد والظنّ - هو أنّها ليست علماً، ففي الحقيقة أنّ شرط النظر هو أن لا يجتمع مع العلم، وليس من الضروري أن يجتمع مع الشكّ.

ولهذا فضّل الشريف المرتضى، ومِن قَبلِه القاضي عبد الجبّار أن يكون شرط النظر هو أن يقترن - أي النظر - مع كون المنظور فيه محتمِلاً للوجهين، بمعنى أن لا يبلغ مرحلة العلم، سواء كان هناك شكّ، أو ظنّ، أو اعتقاد غير ناشئ من دليل۲. وبذلك يكون المرتضى قد انحاز لجانب أبي عبد الله البصري على حساب أبي هاشم.

إذن القسم الأوّل من أقسام العلم المكتسب هو الذي يحتاج إلى النظر، وهو يجتمع مع تجويز الطرفين، لا مع العلم بالمنظور فيه.

۳. قدرة الإنسان على تحصيل المعرفة بالله تعالى

يرى المرتضى ومِن قَبلِه بعضُ المعتزلة أنّ الإنسان قادر على امتلاك المعرفة بالله تعالى، وأنّ هذه المعرفة اكتسابية يقوم الإنسان بفعلها واكتسابها، ودليل ذلك عدّة أمور:

الأوّل: أنّ الإنسان قادر على الجهل الذي هو مقابل للعلم والمعرفة، ومن المؤكّد أنّ الجهل ليس من فعل الله تعالى فينا؛ لأنّه يقبح أن يخلق تعالى في قلوبنا الجهالات والأمور الباطلة. كما أنّ هذا الجهل ليس من فعل غيرنا فينا؛ لأنّه وفقاً لمباني المرتضى أنّ كلّ ما عدا الله تعالى ممكن وقادر بقدرة، وليست قدرته ذاتية، وإذا كان كذلك فلا يمكنه أن يؤثّر في قلب غيره علماً ولا جهلاً بالمرّة. فلايبقى إلّا أن يكون الجهل من فعلنا نحن، فإن كان كذلك كان العلم أيضاً من فعلنا؛ لأنّ من قدر

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (النظر والمعارف)، ج۱۲، ص۱۱.

2.. المرتضى، الذخيرة، ص۱۵۹؛ القاضي عبد الجبّار، المغني (النظر والمعارف)، ج۱۲، ص۱۲.


الشريف المرتضى و المعتزلة
136

الموجود لا يخلو من قِدم أو حدوث، أو أنّ المعلوم لا يخلو من عدم أو وجود، واستحالة كون الجسم الواحد في مكانين في حالة واحدة۱.

أقسام العلم المكتسب

وينقسم العلم المكتسب إلى قسمين:

الأوّل: ما يحصل نتيجة النظر في الدليل، وهو الذي سوف يأتي الحديث عنه بعد قليل إن شاء الله تعالى.

الثاني: ما يحصل من دون نظر، وهو العلم الذي يحصل عند الإنسان عند استيقاظه من النوم، فإنّه عند النوم يزول العقل والعلوم التي كان يمتلكها الإنسان - وذلك بحسب التعريف المتقدّم عن العقل الذي كان عبارة عن «مجموعة علوم» -، لكنّه ما أن ينتبه من نومه ويتذکّر نظره واستدلاله السابق، فإنّه يحصل عنده علم واعتقاد بكلّ ما كان يعتقده ويعلم به قبل نومه، فإنّ الدواعي إلى هذا النوع من العلم قوية.

ولأجل إيضاح القسم الأوّل من العلم المكتسب، وهو الحاصل نتيجة النظر والاستدلال ينبغي استعراض موضوع مستقلّ من خلال البحث التالي:

النظر: بما أنّ معرفة الله تعالى والتي تعتبر الهدف من البحث عن العلم وأقسامه، معرفة اكتسابية يتمّ تحصيلها واكتسابها من خلال الاستدلال والنظر، لذا اكتسب البحث عن «النظر» مكانة خاصّة بین المتكلّمين. فالنظر عندهم عبارة عن الفكر۲، بمعنى التأمّل في الشيء المفكَّر فيه. ومن شأن النظر أن ينتج ويولّد العلم، لا الظنّ ولا الشكّ ولا الجهل۳.

وذهب الجبّائيان أبو عليّ وأبو هاشم إلى أنّ شرط النظر الشكّ في المنظور فيه. وهدفهم من هذا البحث بيان أنّ النظر لا يجتمع مع العلم بالمنظور فيه؛ وذلك لأنّ الهدف

1.. المصدر السابق، ص۱۵۵.

2.. المرتضى، رسائل الشريف المرتضى (جُمل العلم والعمل)، ج۳، ص۱۵؛ مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۲۰.

3.. المرتضى، الذخيرة، ص۱۵۹.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 943
صفحه از 275
پرینت  ارسال به