الفصل الثالث:
مقارنة الأفكار الكلاميّة للمرتضى والمعتزلة
تمهيد
تقدّم أنّه عند ملاحظة المنظومة الفكرية الكلامية للشريف المرتضى، نجده يحاول أن يبني فكره على أساس رصين من العلم واليقين - وذلك اتّباعاً لتعاليم أهل البيت علیهم السّلام، فيؤمن بكلّ ما يؤدّي إلى العلم ويرفض ما عدا ذلك. كما كان يعتمد على كلّ أداة تؤدّي إلى العلم، ويرفض ما لا يؤدّي اليه.
ومن جهة أخرى، تقدّم أنّه كان يؤمن - ككلّ متكلّم إمامي - بأنّ الحقّ كلّه مع الإمام المعصوم علیه السّلام في الأصول والفروع۱، لذلك كلّما تمكّن من معرفة رأي الإمام بصورة علمية ويقينية، اتّبع ذلك الرأي، سواء وافق المعتزلة أم لا، لكن إذا لم يمكن ذلك بسبب عدم وجود دليل علمي ويقيني على حقيقة رأي الإمام، فحینئذ يدخل المرتضى في ما يمكن أن نسمّيه: «منطقة الفراغ»، والتي تعني مجموعة من المسائل والنظريات الكلامية التي لا نعرف رأي الإمام فيها. فحينئذ ينفتح باب العقل على مصراعيه، باعتباره الأداة العلمية الوحيدة المتبقّية للمرتضى، والتي يمكن من خلالها اكتشاف المسائل العقائدية الكلامية بصورة يقينية. وفي هذه الحالة قد يتوافق مع المعتزلة وقد يختلف معهم، وفي صورة الموافقة يقوم بدراسة أدلّة المسألة، فتارة يرفض الأدلّة التي أقامها المعتزلة، ويتمسّك بأدلّة أخرى استقاها من مصادره