الخبر المتواتر هو كونه غائباً عن الحواسّ، فكلّ شيء كان غائباً عن الحواسّ فالعلم به اكتسابي، ومنه العلم بالبلدان البعيدة والوقائع التاريخية الكبيرة۱.
أمّا المرتضى فقد توقّف، ولم يجزم بأحد الرأيين، وقام بمناقشة رأي كلا الفرقتين المتقدّمتين من خلال نقد جميع أدلّتهم التي أقاموها۲. وبذلك جوّز المرتضى أن يكون العلم بالبلدان والوقائع الكبيرة ضرورياً واكتسابياً، لكنّه قدّم لنا ملاكاً للمعرفة الاكتسابية، وهي أن تكون محلّ اختلاف بين العقلاء، فكلُّ ما اختلف فيه العقلاء - مثل معجزات النبي صلی الله علیه و آله، أو النصّ على أمير المؤمنين علیه السّلام - فالعلم به علم اكتسابي، بينما ما لم يختلف فيه العقلاء - كالعلم بالبلدان والوقائع - فيجوز فيه أن يكون ضرورياً أو اكتسابياً۳. فالملاك الذي قدّمه المرتضى لاكتسابية المعرفة أخصّ من الملاك الذي قدّمه الشيخ المفيد.
وینبغي الإشارة هنا إلی أنّ المرتضی قد ذهب إلى حجّية الخبر المتواتر في البحوث الكلامية العقائدية، كما ذهب المعتزلة إلى ذلك، لكنْ هناك فرق بينهما، فمحتوى الأخبار المتواترة التي آمن بها المرتضى تختلف عن تلك التي آمن بها المعتزلة؛ فإنّ الأخبار التي آمن بها المرتضى مأخوذة من الأخبار التي نقلها الشيعة عن النبي صلی الله علیه و آله وأهل البيت علیهم السّلام بالتواتر، بينما الأخبار التي اعتمد عليها المعتزلة فهي الأخبار المنقولة عن النبي صلی الله علیه و آله من خلال الصحابة والتابعين وتابعيهم وهكذا، بصورة متواترة. وهذا أحد العوامل التي أدّت إلى ابتعاد المرتضى عن المعتزلة أحياناً، واتّخاذه موقفاً معارضاً لهم.
ثالثاً: الإجماع
لقد دأب الإمامية خلال فترات مختلفة من التاريخ على التواصل مع أئمّة أهل البيت علیهم السّلام بطرق وأساليب متعدّدة، ففي عصر الحضور كان كلّما طرأ علیهم سؤال أو