113
الشريف المرتضى و المعتزلة

المرتضى إلى إنكار حجّيته، وسبب هذا الإنكار هو أنّ خبر الواحد لا يفيد العلم، وإنّما يفيد الظنّ۱. ولهذا نلاحظ أنّ المرتضى قد رفض مجموعة كبيرة من أخبار الآحاد، لمجرّد كونها خبرَ واحدٍ، مثل حديث: «من رآني فقد رآني..»۲، وحديث تغسيل الإمام السابق بواسطة الإمام اللاحق۳، وأحاديث نسبة البَداء إلى الله تعالى۴، وحديث: «لا تجتمع أمّتي على خطأ»۵، وغير ذلك من الأحاديث.

أمّا الخبر المتواتر فقد ذهب المرتضى إلى القول بحجّيته؛ لأنّه يفيد العلم۶. وقد قسّمه إلى قسمين:

الأوّل: يحصل العلم به لكلّ عاقل، بحيث لا يجوز أن يشكّ فيه، مثل العلم بالبلدان والوقائع والحوادث الكبار.

الثاني: لا يجب أن يحصل العلم به إلّا لمن نظر واستدلّ، وَعَلِم أنّ المخبِرين على صفة لا يجوز عليهم الكذب، كالإخبار عن معجزات النبي صلی الله علیه و آله، والنصّ الجلي على أمير المؤمنين علیه السّلام.

أمّا القسم الثاني فلا خلاف في أنّ العلم الناشئ منه هو علم اكتسابي؛ لأنّه ناشئ من البحث والنظر، بينما ظهر خلاف بين المتكلّمين في العلم الناشئ من القسم الأوّل، وهل هو علم ضروري أو اكتسابي؟

ذهب معتزلة البصرة إلى أنّه ضروري، وأنّ الله تعالى يخلق العلم فينا مباشرة بعد سماع هذا النوع من الخبر. لكن ذهب معتزلة بغداد إلى أنّه اكتسابي، وأنّه لا يحصل في الذهن إلّا بعد النظر، والعلم بأنّ الجماعة التي تنقل هذا الخبر لا يجوز عليها الكذب.

وقد مال الشيخ المفيد إلى قول البغداديين، وجعل ملاك اكتسابية العلم الناشئ من

1.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (مسائل شتّى)، ج۴، ص۳۳۶.

2.. المصدر السابق، (مسألة في المنامات)، ج۲، ص۱۲-۱۳.

3.. المصدر السابق، (مسألة في من يتولّى غسل الإمام)، ج۳، ص۱۵۵.

4.. المصدر السابق، (جوابات المسائل الرازية)، ج۱، ص۱۱۷.

5.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۲۷.

6.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل التبّانيات)، ج۱، ص۱۱.


الشريف المرتضى و المعتزلة
112

إذن اقتضاءات عصر الغيبة - لا التأثّر والمتابعة لفكر المعتزلة - هي التي أجبرت المرتضى على التراجع قليلاً إلى الوراء.

ثانياً: التواتر

أنكر المرتضى حجّية خبر الواحد؛ لكونه غير مفيد للعلم، ولجأ إلى القول بحجّية الخبر المتواتر؛ لإفادته العلم.

وقد ظهرت بين الإمامية حول خبر الواحد نظريات متعدّدة، هي:

۱. إنكار إمكان جعل الحجّية لخبر الواحد۱، وقد نسبت هذه النظرية إلى ابن قِبَة الرازي۲، أحد متكلّمي الإمامية في النصف الثاني من القرن الثالث.

۲. إمكان جعل الحجّية لخبر الواحد، لكن بشروط خاصة. وقد ذهب الشيخ المفيد إلى هذا القول، حيث ذكر أنّ خبر الواحد لا يفيد العلم، ولهذا لا يمكن التعويل عليه، لكن إذا انضمّت إليه بعض القرائن الدالّة على صدق الراوي، فيمكن حينئذ الاعتماد عليه۳. وقد أشار في بعض رسائله إلى هذه القرائن، وهي: الموافقة مع الدليل العقلي، أو وجود شاهد من العُرف، أو تحقّق إجماع على مضمون الخبر۴.

۳. إمكان جعل الحجّية لخبر الواحد، لكن لم يقم دليل على حجّيته، وبالتالي فالنتيجة العملية وفقاً لهذا القول هي عدم حجّية خبر الواحد. نعم يمكن أن يكون لخبر الواحد في هذه الصورة دور التنبيه، والتخويف۵. وهذا القول للشريف المرتضى.

۴. إمكان جعل الحجّية لخبر الواحد كما في النظرية السابقة، لكن مع فارق، وهو أنّه قد قام دليل على حجّيته في مجال الفروع (الفقه) فقط. وهذه نظرية الشيخ الطوسي۶.

فهذه هي أهمّ النظريات المطروحة حول خبر الواحد بين الإمامية، وقد ذهب

1.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل التبّانيات)، ج۱، ص۲۴.

2.. المحقّق الحلّي، معارج الأصول، ص۱۴۱.

3.. المفید، أوائل المقالات، ص۱۲۲.

4.. المفيد، التذكرة بأصول الفقه، ص۴۴؛ وانظر: الطوسي، الاستبصار، ج۱، ص۳-۴.

5.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل التبّانيات)، ج۱، ص۳۴.

6.. الطوسي، العدّة في أصول الفقه، ج۱، ص۱۰۰، ۱۲۶.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1122
صفحه از 275
پرینت  ارسال به