إذن اقتضاءات عصر الغيبة - لا التأثّر والمتابعة لفكر المعتزلة - هي التي أجبرت المرتضى على التراجع قليلاً إلى الوراء.
ثانياً: التواتر
أنكر المرتضى حجّية خبر الواحد؛ لكونه غير مفيد للعلم، ولجأ إلى القول بحجّية الخبر المتواتر؛ لإفادته العلم.
وقد ظهرت بين الإمامية حول خبر الواحد نظريات متعدّدة، هي:
۱. إنكار إمكان جعل الحجّية لخبر الواحد۱، وقد نسبت هذه النظرية إلى ابن قِبَة الرازي۲، أحد متكلّمي الإمامية في النصف الثاني من القرن الثالث.
۲. إمكان جعل الحجّية لخبر الواحد، لكن بشروط خاصة. وقد ذهب الشيخ المفيد إلى هذا القول، حيث ذكر أنّ خبر الواحد لا يفيد العلم، ولهذا لا يمكن التعويل عليه، لكن إذا انضمّت إليه بعض القرائن الدالّة على صدق الراوي، فيمكن حينئذ الاعتماد عليه۳. وقد أشار في بعض رسائله إلى هذه القرائن، وهي: الموافقة مع الدليل العقلي، أو وجود شاهد من العُرف، أو تحقّق إجماع على مضمون الخبر۴.
۳. إمكان جعل الحجّية لخبر الواحد، لكن لم يقم دليل على حجّيته، وبالتالي فالنتيجة العملية وفقاً لهذا القول هي عدم حجّية خبر الواحد. نعم يمكن أن يكون لخبر الواحد في هذه الصورة دور التنبيه، والتخويف۵. وهذا القول للشريف المرتضى.
۴. إمكان جعل الحجّية لخبر الواحد كما في النظرية السابقة، لكن مع فارق، وهو أنّه قد قام دليل على حجّيته في مجال الفروع (الفقه) فقط. وهذه نظرية الشيخ الطوسي۶.
فهذه هي أهمّ النظريات المطروحة حول خبر الواحد بين الإمامية، وقد ذهب
1.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل التبّانيات)، ج۱، ص۲۴.
2.. المحقّق الحلّي، معارج الأصول، ص۱۴۱.
3.. المفید، أوائل المقالات، ص۱۲۲.
4.. المفيد، التذكرة بأصول الفقه، ص۴۴؛ وانظر: الطوسي، الاستبصار، ج۱، ص۳-۴.
5.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل التبّانيات)، ج۱، ص۳۴.
6.. الطوسي، العدّة في أصول الفقه، ج۱، ص۱۰۰، ۱۲۶.