وعندما نقل لنا الشيخ المفيد اتّفاق الإمامية على هذه النظرية۱، والذي يظهر أنّه تبنّاها، لم يوضّح لنا ذلك السمع الذي ينبغي أن ينبّه العقل على العقائد وطرق الاستدلال عليها، فإنّ الإمام غائب، فكيف يمكن له أن ينبّه عقول الناس في عصر الغيبة على تلك الأمور؟ لقد كان الشيخ المفيد في الحقيقة يكتفي في هذه الحالة بالتنبيه من خلال الإجماع، والأخبار المتواترة، وأخبار الآحاد المحفوفة بقرينة قطعية.
ومن جهته حاول الشريف المرتضى أن يقوم بإعطاء نظرية حول علاقة العقل والسمع تتناسب مع عصر الغيبة، وتمكّنه من الإجابة على الإشكال المتقدّم على مسألة الحاجة إلى الإمام، والذي طرأ نتيجة حصول الغيبة، فقام بإنكار النظرية التي ذهب إليها الإمامية من أنّ الإمام هو الوحید الذي ينبّه على طريقة الاستدلال على العقائد، حيث ذكر أنّ التنبيه كما يحصل من الإمام فإنّه يحصل من غيره أيضاً، وليست للإمام من هذه الناحية مزية على غيره۲. وبذلك حافظ المرتضى على فكرة حاجة العقل إلى ما ينبّهه على طرق الاستدلال، وفي نفس الوقت لم يُعطِ هذا الدور كلّه للإمام، بل جعل الإمام كغيره من هذه الناحية، وبذلك دفع الإشكال القائل: إذا كان الإمام ينبّه العقل على طرق الاستدلال، فكيف يستطيع أن يقوم بهذه المهمّة في عصر الغيبة، وهو منقطع عن الناس؟ فمع وجود منبّه آخر غير الإمام، سوف يتنبّه العقل على كلّ حال، ولن يكون لعصر الغيبة أثر في الحدّ من هذا التنبيه.
إنّ المرتضى يعلم جيّداً أنّ تنبيه الإمام أفضل من تنبيه غيره، باعتباره ينبّه على العقائد الحقّة، وعلى أفضل الاستدلالات، ولو كان المرتضى يعيش في عصر الحضور لم يَعدِل بالإمام أحداً، ولذهب إلى ما ذهب إليه سائر الإمامية من حاجة العقل إلى السمع للتنبيه، لكنّ اقتضاءات الغيبة جعلته يجعل للإمام عِدلاً ونظيراً يقوم بمهمّة التنبيه، وهم العلماء والدعاة إلى الله تعالى وإلى المعارف الحقة.