ثم إنّ المرتضى يسمّي الحدّ الأدنى من العلوم الذي يُشترط في التكليف باسم: «كمال العقل». وقد أشار إلى كلّ هذه البحوث التي أشرنا اليها بعبارة مختصرة نذكرها فيما يلي: قال المرتضى: «ولأنّ العقلاء وإن اختلفوا في حصول العلوم الضرورية لهم وزادت في بعضهم ونقصت في بعض آخر، لا يجب أن يكونوا مختلفين في «كمال العقل»، ولا في العلوم المسمّاة بهذا الاسم؛ لأنّا إذا جعلنا هذا الاسم واقعاً على ما يحتاج العاقل إليه في معرفة ما كلّفه دون غيره، لم يكن ما فات بعضهم في هذه العلوم مسمّى بكمال العقل؛ لأنّه غير مخلّ بما كُلّفه»۱.
نتيجة البحث حول تعريف العقل
اتّضح ممّا تقدّم أنّ العقل عبارة عن مجموعة من العلوم التي تجعل الإنسان مكلّفاً۲، وأنّ كلّ عاقل مكلّف، وكلّ مكلّف عاقل، فإنّ بينهما نسبة التساوي من بين النسب المنطقية الأربع.
ولكن يطرح هنا سؤالان، هما: عندما يقال إنّ أحد مصادر المعرفة هو العقل - إلى جانب الكتاب والسنّة والإجماع - الذي يُستدلّ به على وجود الله تعالى والنبوّة والإمامة والمعاد، والذي يُقدَّم عند التعارض على ظواهر الكتاب والسنّة، هل المراد بهذا العقل نفس العقل المتقدّم، والذي كان بمعنى «مجموعة من العلوم»؟
قد يقال إنّه نفسه؛ فإنّ العقل واحد، وليس هناك عقلان، وإلّا لأشار المرتضى إلى تعريفهما معاً، لكنّه ذكر تعريفاً واحداً للعقل.
إلّا أنّ هذا التحليل قد يصطدم ببعض التساؤلات والإبهامات، وهي:
لأجل إثبات النبوّة مثلاً بالعقل، لا تكفي العلوم المسمّاة «عقلاً» لذلك؛ فإنّ إثبات النبوّة يتوقّف على إثبات وجود الله تعالى وبعض صفاته، ومعرفة الله وصفاته ليست من العلوم التي يتكوّن منها العقل بالمعنى المتقدّم؛ لأنّ نفس إثبات