103
الشريف المرتضى و المعتزلة

العقل لدى المرتضى عند بحثه عن النظر أو مصادر المعرفة، أو عند تطرّقه إلى تعريف العلم، أو عند بحثه عن الطرق العقلية لإثبات وجود الله تعالى، أو ما شاكل ذلك من البحوث المناسبة لموضوع العقل، لكنّ الواقع أنّ المرتضى لم يتطرّق لتعريف العقل في أيّ واحد من هذه البحوث، بل تعرّض له عند بحثه عن التكليف، وبالخصوص عند بحثه عن صفات المكلَّف (بالفتح)۱.

ولاستيضاح وجه الربط بين بحث العقل وبحث التكليف نستعرض البحث التالي:

العقل والتكليف: إذا نظرنا في التكاليف الموجّهة للمكلّف، وجدناها على قسمين: قسم منها تكاليف عملية بدنية، تتطلّب امتلاك القدرة على أدائها، والقسم الآخر تكاليف علمية تتطلّب تحصيل العلم بما كُلّف به. وهذا يعني أنّ المكلَّف يجب أن يتوفّر على صفتين مهمّتين، هما: القدرة، والعلم. وبعبارة أخرى، يجب أن يتوفّر في المكلّف شرطان: القدرة، والعلم، و ذلك کما یلي:

۱. القدرة: هناك مجموعة من التكاليف البدنية التي يحتاج أداؤها إلى امتلاك القدرة، مثل الصلاة، والصيام، والحجّ، والجهاد؛ فمن لا يمتلك القدرة على أداء التكليف لا يمكن تكليفه به من قِبَل الحكيم؛ لأنّه سيكون حينئذ تكليفاً بما لا يطاق، وهو قبيح. وهذه المسألة خارجة عن مَصبّ بحثنا حالياً، فلا نتطرّق إليها هنا بالتفصيل.

۲. العلم: لقد كلّف الإنسان بمجموعة أخرى من التكاليف التي لا تحتاج إلى بذل جهد عضلي جسمي، بل تتطلّب تحصيل العلم، وهي على نوعين:

أحدهما: وقوع الأفعال على الوجوه التي تناولها التكليف: فإنّه لِكي يستحقّ المكلّف الثواب على فعل الواجب، ينبغي أن يَعلم أنّه حسن وواجب، وأنّه إنّما يفعله لحسنه ووجوبه. ولِكي يستحق الثواب على تركه القبيحَ ينبغي أن يَعلم أيضاً أنّه قبيح، وأنّه إنّما امتنع منه لقبحه.

والآخر: اكتساب بعض العلوم: تارة قد يكون العلم وسيلة لتحصيل التكليف

1.. المرتضى، الذخيرة، ص۱۲۱.


الشريف المرتضى و المعتزلة
102

أساسه «العلم». فالعلم هو الأساس الذي بنى المرتضى عليه فكره وآرائه، وكأنّه قد تحوّل العلم عنده إلى مظلّة كبيرة، فكلّ ما دخل تحتها اكتسب قيمة علمية، وأمكن اعتماده في اكتشاف الحقائق وتبنّي الآراء، سواء كان هو العقل أو غيره.

۲. الأدوات العلمية المعتمَدة عند المرتضى: بعد اتّضاح ما تقدّم، يمكننا أن ننتقل إلى الإجابة على السؤال الثاني، وهو هل يوجد إلى جانب العقل أدواتٌ علمية أخرى يمكن اعتمادها لتحصيل «العلم» ببعض المسائل الكلامية؟

للإجابة نقول: عند مراجعة النتاج الكلامي للمرتضى نجده قد اعتمد - إلى جانب العقل - على أدوات علمية ومعرفية أخرى، وهي الخبر المتواتر والإجماع، وسبب ذلك يرجع إلى أنّ هاتين الأداتين تؤدّيان في نتائجهما إلى «العلم» الذي هو أساس القبول والرفض عند المرتضى.

إذن لقد اعتمد المرتضى في بحوثه الكلامية على ثلاثة أنواع على الأقلّ من الأدوات المعرفية، هي العقل والتواتر والإجماع، وقد كان العنصر المشترك بينها والذي دعا المرتضى إلى الاعتماد عليها هو أنّها تؤدّي إلى «العلم». ولهذا نحاول في هذا المجال التوفّر على دراسة هذه الأدوات المعرفية، للتعرّف أكثر على منهجية البحث عند المرتضى، وذلك من خلال البحوث التالية:

أوّلاً: العقل

يمتلك العقل في المنظومة الفكرية للمرتضى دوراً أساسياً ومُهمّاً للغاية، فعلى أساسه يتمّ بناء اللّبنات الأولى لهذه المنظومة والبناء الفكري، كما يتمّ تقديمه في الكثير من الحالات على نظرائه من مصادر الفكر الأخرى، كالكتاب والسنّة.

وقبل التعرّف على أهمية هذا المصدر المعرفي، ينبغي أن نتعرّف على حقيقته وماهيته عند المرتضى:

تعريف العقل

تمهيد: في البدء يجب التعرّف على الجوّ والمناخ الذي كان المرتضى يتحرّك فيه، والذي قام بتعريف العقل من خلاله، فإنّ الباحث قد يتوقّع أن يعثر على تعريف

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 966
صفحه از 275
پرینت  ارسال به