101
الشريف المرتضى و المعتزلة

والسمعية ليست كذلك عند من أثبت قياساً شرعياً، بل هي تابعة للدواعي والمصالح المتعلّقة بالاختيار. والعلّة في القياس العقلي لا تكون إلّا معلومة، وفي السمعي تكون مظنونة، ومتى عُلمت في العقل تعلّق الحكم بها، ولم يحتج في تعليقه عليها إلى دليل مستأنف»۱. إذن الأساس الذي اعتمد عليه المرتضى لقبول القياس العقلي ورفض القياس الشرعي هو «العلم»، فباعتبار أنّ القياس العقلي يؤدّي إلى العلم؛ لأنّ علّته - أي ما يسمّى في الاصطلاح المنطقي بالحدّ الوسط - معلومة، لذا قام بقبوله والاعتماد عليه، وباعتبار أنّ القياس الشرعي لا يؤدّي إلى العلم؛ لأنّ علّته مظنونة، لذلك لم يقبل به، ولم يعتمد على نتائجه. فملاك قبول القياس العقلي هو انتهاؤه إلى «العلم».

النموذج الثالث: قال المرتضى عند بيان الاستدلال العقلي بالشاهد على الغائب، والذي يدخل في الكثير من الاستدلالات العقلية الكلامية: «واعلم، أنّ معنى قولنا في الشيء: «إنّه شاهد» أنّه معلوم، ومعنى قولنا: «غائب» أنّه غير معلوم؛ لأنّا إنّما نستدلّ بما يُعلم على ما لا يُعلم. وليس الاعتبار بكون ما يُستدلّ به مشاهَداً ولا حاضراً، بل الاعتبار بكونه معلوماً على الوجه الذي له يَدلّ، ويكون ما استُدلّ عليه غير معلوم لنا على الوجه الذي نطلبه بالدلالة»۲.

إذن أساس هذا الاستدلال العقلي هو «العلم»، فإنّه ينتقل من المعلوم إلى المجهول بهدف تحويله إلى معلوم. وبذلك لا يكتسب هذا الاستدلال العقلي قيمته لمجرّد كونه عقلياً، بل لأنّه يؤدّي إلى تحقّق «العلم» بالمجهول.

وبهذا اتّضح دور العلم في إعطاء العقل أهمّية خاصّة في المنظومة الفكرية عند المرتضى، وأنّ أساس عقلانيته هو العلم. وبهذا يصحّ أن يقال: إنّ المرتضى قبل أن يكون عقلانياً فهو عِلمَوي، أي قبل أن يكون تابعاً للعقل فإنّه تابع للعلم.

لقد حاول المرتضى أن ينشئ صرحاً علمياً قوياً ومتماسكاً، فقام ببنائه وجعل

1.. المرتضى، الذريعة، ص۴۶۱.

2.. المرتضى، الملخّص، ص۱۳۵.


الشريف المرتضى و المعتزلة
100

الإيمان بعلم ثبت فيه، ومَن دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه»۱. وفي الحقيقة أنّ روايات النهي عن الإيمان بغير علم كثيرة جدّاً قد تصل إلى حدّ التواتر، ولذا يمكن اعتبار هذه المصادر هي السبب الذي دعى المرتضى إلى التمسّك بفكرة «العلم» كأساس لفكره، ولا حاجة إلى البحث عن مصدر من خارج المنظومة الفكرية التي ينتمي إليها المرتضى، واعتبار أنّ اعتماده على «العلم» ناشئ من تأثّره بالمعتزلة الذين اعتمدوا هم أيضاً على «العلم» بصورة كبيرة.

وبعد اتّضاح معنى العلم عند المرتضى نرجع إلى كلامنا لنجيب على السؤال المتقدّم، فنقول: إنّ سبب اعتماد المرتضى على العقل يرجع إلى أنّ العقل يؤدّي إلى العلم واليقين، فالعقل يمتلك قيمته من خلال انتاجه للعلم، وإلّا فلا قيمة ذاتية للعقل، وإنّما كلّ القيمة ترجع إلى العلم الذي يولّده. ويمكن أن نطرح في هذا المجال ثلاثة نماذج من كلمات المرتضى تدلّ على ذلك، أي على أنّ العقل يؤدّي إلى حصول العلم، وهي:

النموذج الأوّل: سيأتي في خلال البحث أنّ المرتضى عرّف العقل بأنّه عبارة عن (مجموعة من العلوم الحاصلة للمكلّف)۲. كما صرّح بأنّ العقل لا يُطلب لذاته، وإنّما لأجل العلوم التي يحتوي عليها، حيث قال: «لأنّ الغرض في العقل لا يرجع اليه، وإنّما يراد وُصلة إلى اكتساب العلوم التي كُلّفها، ووقوع الأفعال على الوجوه التي تناولها التكليف»۳. إذن العقل - حسب كلام المرتضى - يؤدّي إلى العلم، وأنّ اعتماد الأخير على العقل ناشئ من العلوم التي يؤدّي اليها.

النموذج الثاني: قال المرتضى عند إيضاحه الفرقَ بين القياس العقلي والقياس الشرعي: «وممّا يجب علمه أنّ حقيقة القياس في العقل والشرع لا تختلف، وإنّما يختلفان في أحكام ترجع إلى العلّة، لأنّ العلّة العقلية موجبة ومؤثّرة تأثير الإيجاب،

1.. الكليني، الكافي، ج۱، ص۷.

2.. المرتضى، الذخيرة، ص۱۲۱.

3.. المصدر السابق.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1191
صفحه از 275
پرینت  ارسال به