والسمعية ليست كذلك عند من أثبت قياساً شرعياً، بل هي تابعة للدواعي والمصالح المتعلّقة بالاختيار. والعلّة في القياس العقلي لا تكون إلّا معلومة، وفي السمعي تكون مظنونة، ومتى عُلمت في العقل تعلّق الحكم بها، ولم يحتج في تعليقه عليها إلى دليل مستأنف»۱. إذن الأساس الذي اعتمد عليه المرتضى لقبول القياس العقلي ورفض القياس الشرعي هو «العلم»، فباعتبار أنّ القياس العقلي يؤدّي إلى العلم؛ لأنّ علّته - أي ما يسمّى في الاصطلاح المنطقي بالحدّ الوسط - معلومة، لذا قام بقبوله والاعتماد عليه، وباعتبار أنّ القياس الشرعي لا يؤدّي إلى العلم؛ لأنّ علّته مظنونة، لذلك لم يقبل به، ولم يعتمد على نتائجه. فملاك قبول القياس العقلي هو انتهاؤه إلى «العلم».
النموذج الثالث: قال المرتضى عند بيان الاستدلال العقلي بالشاهد على الغائب، والذي يدخل في الكثير من الاستدلالات العقلية الكلامية: «واعلم، أنّ معنى قولنا في الشيء: «إنّه شاهد» أنّه معلوم، ومعنى قولنا: «غائب» أنّه غير معلوم؛ لأنّا إنّما نستدلّ بما يُعلم على ما لا يُعلم. وليس الاعتبار بكون ما يُستدلّ به مشاهَداً ولا حاضراً، بل الاعتبار بكونه معلوماً على الوجه الذي له يَدلّ، ويكون ما استُدلّ عليه غير معلوم لنا على الوجه الذي نطلبه بالدلالة»۲.
إذن أساس هذا الاستدلال العقلي هو «العلم»، فإنّه ينتقل من المعلوم إلى المجهول بهدف تحويله إلى معلوم. وبذلك لا يكتسب هذا الاستدلال العقلي قيمته لمجرّد كونه عقلياً، بل لأنّه يؤدّي إلى تحقّق «العلم» بالمجهول.
وبهذا اتّضح دور العلم في إعطاء العقل أهمّية خاصّة في المنظومة الفكرية عند المرتضى، وأنّ أساس عقلانيته هو العلم. وبهذا يصحّ أن يقال: إنّ المرتضى قبل أن يكون عقلانياً فهو عِلمَوي، أي قبل أن يكون تابعاً للعقل فإنّه تابع للعلم.
لقد حاول المرتضى أن ينشئ صرحاً علمياً قوياً ومتماسكاً، فقام ببنائه وجعل