97
الشريف المرتضى و المعتزلة

الفصل الثاني:

منهجيّة البحث عند المرتضى

إنّ الباحث في أيّ علم ينبغي عليه في بداية الأمر أن يحدّد الأسس والمباني التي ينوي تشييد صرح ذلك العلم عليها؛ فتحديد أسس أو منهجيّة البحث تجعل الباحث على بيّنة من أمره، فيعلم أين يتوجّه خلال البحث، وما هي الخطوات التي ينبغي أن يخطوها في أثناء بحثه. كما تسمح معرفةُ أسس البحث للقارئ أن يفهم فكرَ الباحث بصورة أعمق، وتُمكّن الناقد من أن يوجّه نقده بصورة بنّاءة وواعية.

وهذه المسألة من المسائل المهمّة التي ينبغي على الدارس لفكر الشريف المرتضى أن يستوضحها ويعرفها؛ فإنّ معرفة منهجيّة البحث لدى المرتضى تمكّننا من الغور في أعماق فكره، وفهم الكثير من المواقف التي اتّخذها، كما توفّر لنا المناخ الملائم لحلّ الإشكالية التي نتابعها في هذه الدراسة، والتي تدور حول معرفة مدى العلاقة التي كانت تربط المرتضى بالمعتزلة، وأنّه لماذا كان يقترب منهم تارة، ويبتعد أخرى.

۱. العلم ودوره في المنظومة الفكرية للمرتضى

المتعارف في الأوساط العلمية هو وَسمُ الشريف المرتضى بالعقلانية، وأنّه كان كالمعتزلة تابعاً للعقل، وأنّه يقدّم العقل على كلّ أداة علمية أخرى، ويستخدمه بكثرة في الأبحاث الكلامية. بل قد يُستشفّ أحياناً من كلام البعض أنّ الأداة البحثية الوحيدة للمرتضى هي العقل. إنّ هذا الكلام وإن كان في بعض جهاته صحيحاً إلى حدّ مّا، لكن ينبغي قبل البحث عن دور العقل كأداة علمية بحثية


الشريف المرتضى و المعتزلة
96

سلاحاً من الآخرين، كما أنّ الآخرين قد يستعيرون منه بعض أسلحته، وهذا لا يعني تأثّر أحدهم بالآخر في أصل النظرية.

ثالثاً: التشابه في الأسلوب والطرح: قد يقال إنّ التشابه في أسلوب البحث وطرحه يدلّ على التأثّر، والمرتضى قد استعمل في كتبه ورسائله العديدة كلماتٍ وجُملاً وأسلوباً مشابهاً لكلمات وجُمل وأسلوب المعتزلة، وهذا دليل على تأثّره بهم واتّباعه لهم.

لكن ينبغي التعليق على هذه النقطة بالقول: إذا لاحظنا التركيبات والجُمل والأسلوب الأدبي المستعمل في كلّ عصر بين العلماء والمثقّفين، لوجدنا أنّ هناك أسلوباً أدبيّاً حاكماً يفرض نفسه على باقي المفكّرين، فيتكلّمون ويكتبون به، ويستخدمون كلماته وجُمَله، وقد كان الأدب الحاكم في عصر المرتضى هو أدب المعتزلة وأسلوبهم، فإنّه كان مهيمناً على مُجمل المشهد العلمي في ذلك العصر، وكلّ من كان يريد أن يطرح نفسه وفكره في الأوساط العلمية كان ينبغي عليه أن يتكلّم بتلك اللّغة وذاك الأدب، وهذا لا يرتبط أبداً بالتأثّر والاتّباع، وإنّما هو أمر طبيعي نشاهده في كلّ عصر.

ونتيجة البحث في هذا القسم هو أنّ مجرّد التشابه في النظرية، أو الدليل، أو الأسلوب الأدبي لا يدلّ على الاتّباع والتأثّر أبداً، ولأجل إثبات التأثّر لابدّ من العثور على أمثلة كثيرة جدّاً من التشابه حتى يمكن التأكّد من وجود التأثّر، وهو الأمر الذي سنستعرضه إن شاء الله في الفصول القادمة.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1183
صفحه از 275
پرینت  ارسال به