55
الشريف المرتضى و المعتزلة

إذن ما كان المعتزلة يتباهون به هو عقيدة التنزيه ونفي الجسمية والتشبيه من جهة، وعقيدة اختيار الإنسان ونفي الجبر من جهة أخرى. وقد دار حول هاتين العقيدتين نزاع كبير بين المسلمين على طول التاريخ.

أمّا ما هي جذور هاتين العقيدتين عند المعتزلة؟ يجيب المعتزلة على هذا السؤال من خلال إرجاع ذلك إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ علیه السّلام، فهم يتباهون بأنّ سلسلة شيوخهم تنتهي إليه علیه السّلام، فرأسُ المعتزلة واصل بن عطاء - كما تقدّم - هو تلميذ أبي هاشم، وأبو هاشم تلميذ أبيه محمّد بن الحنفية، والأخير تلميذ والده الإمام عليّ علیه السّلام، وعن هذا الطريق حصل المعتزلة على عقيدتي التوحيد والعدل بالمعنی المتقدّم.

هذا ما صرّح به المعتزلة، ولكن إلى جانب ذلك يمكن العثور على جذر آخر يوصل المعتزلة - في مسألة الاختيار على الأقل - إلى الإمام عليّ علیه السّلام من غير طريق ابن الحنفية وأبي هاشم، وهو طريق ارتباط واصل بأستاذه الحسن البصري، وارتباط الأخير بالإمام الحسن السبط بن الإمام عليّ علیه السّلام. فهناك رسالة أرسلها الحسن البصري إلى الإمام الحسن علیه السّلام يسأله فيها عن العدل واختيار الإنسان أو جبره، فأجابه الإمام الحسن علیه السّلام برسالة مفصّلة تحدّث فيها عن اختيار الإنسان، ونفي القول بجبره في أفعاله.

والرسالة كالتالي: جاء في الحديث أنّ الحسن بن الحسن البصري كتب إلى الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیهما السّلام: من الحسن البصري إلى الحسن بن رسول الله صلی الله علیه و آله، أمّا بعد، فإنّكم معاشرَ بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة، ومصابيح الدجى، وأعلام الهدى، والقادة الذين من تبعهم نجى، والسفينة التي يؤول إليها المؤمنون، وينجو فيها المتمسّكون. قد كثر يا بن رسول الله صلی الله علیه و آله عندنا الكلام في القدر واختلافنا في الاستطاعة، فتُعلِمنا ما نرى عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّكم ذرية بعضها من بعض، مِن عِلم الله عُلّمتم، وهو الشاهد عليكم، وأنتم شهداء على الناس، والسلام.

فأجابه الإمام الحسن بن عليّ علیهما السّلام: «من الحسن بن عليّ إلى الحسن البصري،


الشريف المرتضى و المعتزلة
54

الطبيعي أنّه كان يرى أحقّية الإمام في حربه، وهذا الأمر منع واصلاً من تخطئة أمير المؤمنين علیه السّلام في حربه. ولكلّ هذا وقف واصل موقف الشاكّ المتردّد في تحديد المخطئ في تلك المعركة من المصيب.

ولعلّ هذه العوامل البيئية وغيرها فرضت عليه رأيه المشهور بالمنزلة بين المنزلتين، فهو قد رفض أن يسمّي مرتكب الكبيرة كافراً أو مؤمناً، وإنّما أعطاه تسمية وسطاً وهي: (فاسق). إلّا أنّ واصلاً خرج من تذبذبه هذا في عقيدة أخرى ذات ارتباط بما تقدّم، فجزم بأنّ مرتكب الكبيرة خالد في نار جهنّم، وهي العقيدة التي صارت تعرف بـ (الوعيد) وعُدّت أحد أصول المعتزلة الخمسة.

۲. جذور التوحيد الاعتزالي

تحدّثنا فيما تقدّم عن جذور احتمالية لعقيدة المنزلة بين المنزلتين، والآن نحاول البحث عن جذور عقيدة التوحيد والعدل التي آمنت بها المعتزلة، وأخذت تتفاخر بها على سائر الفرق الكلامية.

والجدير بالذكر أنّ المقصود بالتوحيد والعدل ليس العقيدة المشهورة التي تعني أنّ الله تعالى واحد لا شريك له، أو أنّه عادل لا يظلم، فهذا يشترك فيه جميع المسلمين، ولا يشكّ فيه أحد، وإنّما كان عنوانا التوحيدِ والعدلِ يدلّان على بحثين شائكين ثار النزاع حولهما بين المسلمين، وهما بحث التنزيه والاختيار. فالتوحيد يعني تنزيه الله تعالى عن تشبيهه بخلقه، وذلك من خلال نفي الجسمانية عنه. والعدل يعني الإيمان باختيار الإنسان وحرّيته في أفعاله، وأنّ الله تعالى لا يجبر الإنسان على المعصية ثم يعاقبه عليها، فإنّ هذا خلاف العدل، ومقتضى العدل أن يُترك له الخيار في اختيار الحسن من القبيح. قال أبو حاتم الرازي بهذا الصدد: «وقد لقّبت المعتزلة نفسها بلقب آخر، فقالوا: نحن أهل العدل والتوحيد، يعنون بالتوحيد أنّهم خرجوا من شرط التشبيه...ويعنون بالعدل أنّهم خرجوا من حدّ الإجبار»۱.

1.. أبوحاتم الرازي، كتاب الزينة، ج۳، ص۵۰.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1094
صفحه از 275
پرینت  ارسال به