صارت لدى هذا العنصر القدرة على استبدال خليفة بآخر، بعد قتل الخليفة السابق، أو إرغامه على التنحّي عن السلطة، أقول في هذه الفترة بدأ الضعف يدبُّ في جسد الدولة العبّاسية، وتحوَّل وجودُ الخليفة الى مجرّد واجهة لإضفاء الشرعية على الحكومات أو الدويلات التي أخذت تنتشر هنا وهناك، كالصفّاريين، والسامانيين، والغزنويين، والحمدانيين، والإخشيديين وغيرهم.
في هذه الفترة ظهر ثلاثة أخوة كانوا ينحدرون من عنصر فارسي، وكانوا ذوي نزعة شيعية، وطموح لاحدود له، عُرفوا بآل بويه، فقاموا بتأسيس دولتهم - التي عُرفت بالدولة البويهية - في إيران، ولم يكتفوا بذلك بل توجَّه أصغرُهم (أحمد) نحو العراق، وتمكّن من دخول بغداد سنة ۳۳۴ه ، وفرض الوجود البويهي على قلب الدولة العبّاسية۱، فكان ذلك ثانيَ سقوط لبغداد بعد سقوطها على يد المأمون سنة ۱۹۸ه ، واستيلائه عليها بعد قتله لأخيه الأمين. وقد استمرّ الوجود البويهي في بغداد إلى سنة ۴۴۷ه ، عندما دخل السلاجقة بغداد - فكان ثالثَ سقوط لها - وقاموا بطرد البويهيين منها۲.
ويمكن اعتبار القرنين الرابع والخامس قرنَي حكومة الشيعة على العالم الإسلامي، فالبويهيون في المشرق (إيران والعراق)، والفاطميون في المغرب (مصر والشمال الأفريقي)، والحمدانيون في الشمال (الجزيرة والشام)، والزيدية في الجنوب (اليمن)۳.
لقد انتهج حكّام بغداد الجُدُد (البويهيون) سياسة منفتحة وليَّنة تجاه جميع الفرق والاتّجاهات، ومنهم الشيعة بطبيعة الحال - باعتبار الانتماء المذهبي الشيعي للبويهيين - الذين كانوا يعانون من الاضطهاد والتهميش في ظلّ الحكومات السابقة. وقد كانت من أبرز الفرق في بغداد فرقتان، هما: الشيعة والحنابلة. الحنابلة الذين تحوّلوا الى عدوّ تقليدي للشيعة، حيث استمرّ عداؤهم للشيعة على طول