235
الشريف المرتضى و المعتزلة

يَسقط الثواب بشيء من الأشياء، فإنّ الثواب عنده إذا ثبت لا يزيله شيء۱، وقد تقدّم قبل قليل أنّ الإجماع قد دلّ على دوام ثواب الطاعة.

أمّا المعتزلة فذهبوا إلى إمكان زوال الثواب، إمّا من خلال الندم على الطاعة، وإمّا من خلال التحابط، والذي يعني أنّ المعاصي قد تصل إلى حدّ بحيث تُبطِل وتُحبِط الطاعات، وخاصّة إذا كانت تلك المعاصي من الكبائر، فإنّها تُحبِط ثواب الطاعات. فالتحابط هو إبطال المعصية للطاعة، أو إبطال عقاب المعصية لثواب الطاعة۲.

وقد وقف المرتضى في وجه نظرية التحابط بكلّ حزم، وناقشها بعدّة مناقشات، منها: أنّه لا تنافي بين الطاعة والمعصية، ولا بين الثواب والعقاب؛ لأنّه يمكن أن يكون المكلّف مؤمناً بقلبه - وهذه طاعة - وعاصياً بجوارحه في نفس الوقت، ولا تنافي بين الأمرين. وأمّا المستحَقّ على الطاعة والمعصية من الثواب والعقاب فلا تنافي بينهما أيضاً؛ لأنّ المستحَقّ أمر معدوم، فإنّهما إنّما يوجدان بعد الموت، وذلك في الجنة أو النار، أمّا الآن فالثواب والعقاب معدومان، ولا تضادّ بينهما۳.

ومنها: أنّه بناء على التحابط سيكون مَن جمع بين إحسان وإساءة كمَن لم يُحسن ولم يُسئ، وإذا كان المستحَقّ على إساءته هو الزائد لكان كمن لم يُحسن، كما لو كان المستحَقّ على إحسانه هو الزائد لكان كمن لم يُسئ. ومن الواضح أنّ كلّ هذا مخالف للضرورة والبداهة۴.

وقد ناقش المرتضى الأدلّة التي أقامها المعتزلة لإثبات التحابط، كما قام بتأويل الآيات القرآنية التي دلّت بظاهرها على التحابط۵.

وبذلك فقد حارب المرتضى نظرية التحابط حرباً لا هوادة فيها، ووقف بكلّ ما يمتلك من قدرات في وجه المعتزلة. ويبدو أنّ الذي دعاه إلى ذلك وجودُ الإجماع

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۰۲.

2.. الحُمُّصي الرازي، المنقذ من التقليد، ج۲، ص۴۲.

3.. المرتضى، شرح جُمَل العلم والعمل، ص۱۴۷؛ المرتضی، الذخيرة، ص۳۰۳.

4.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۰۳.

5.. المصدر السابق، ص۳۰۳ - ۳۱۶.


الشريف المرتضى و المعتزلة
234

وذلك بشرط أن يرافقه الإيمان۱.

ويؤيّد ذلك بعض الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، مثل ما رواه إبراهيم بن العبّاس، قال: كنّا في مجلس الرضا علیه السّلام، فتذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها: إنّها لا تُغفَر، فقال الرضا علیه السّلام: «قال أبو عبد الله علیه السّلام: قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة، قال الله عز و جل: (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ۲.

وروى محمّد بن أبي عمير، قال: سمعت موسى بن جعفر علیهما السّلام يقول: «لا يخلّد الله في النار إلّا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك، ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يُسئل عن الصغائر، قال الله تبارك وتعالى: (إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفَّرْ عَنْكُمْ سَيَّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا۳.

أمّا المعتزلة فقد تحدّثوا كثيراً عن دوام عقاب مرتكبي المعاصي كلّها، وإن لم تكن كفراً۴، سوى أنّهم ركّزوا على مرتكبي الكبائر (الفسّاق)؛ باعتبار أنّهم ذهبوا إلى أنّ الصغائر يمكن أن تُحبَط ويزول أثرها إذا كان في مقابلها طاعات أكثر منها أو تساويها، كما سيأتي إن شاء الله في بحث التحابط.

إذن لقد ركّز المعتزلة بحثهم على الكبائر، وقالوا بخلود مرتكب الكبيرة (الفاسق) في جهنّم۵. فهذه إحدی نقاط الاختلاف بين المرتضى والمعتزلة.

ج - مُسقطات الثواب والعقاب

اختلف المرتضى مرّة أخرى مع المعتزلة حول الأمور المسقطة للثواب والعقاب، وهذه الأمور هي:

مُسقطات الثواب (التحابط): رفض المرتضى - ناسباً ذلك إلى الإمامية - أن

1.. المصدر السابق، ص۳۰۰.

2.. الصدوق، التوحيد، ص۳۹۵. والآية: الرعد، آية ۶.

3.. المصدر السابق، ص۳۹۶. والآية: النساء، آية ۳۱.

4.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۰۰.

5.. مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۴۴۹-۴۵۰.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1056
صفحه از 275
پرینت  ارسال به