233
الشريف المرتضى و المعتزلة

وذلك فيما لو مات من دون توبة، وأمّا البحث عن دوام الثواب فيبدو أنّهم بحثوا عنه استطراداً.

وفيما يلي بحثٌ عن كلا المسألتين:

دوام الثواب: يرى المرتضى أنّه لا دلالة في العقل على دوام الثواب على فعل الطاعات، بل المرجع في ذلك إلى الإجماع والسمع؛ فالإجماع قد دلّ على دوام ثواب الطاعة، و بهذا سوف يختلف استحقاق الثواب - وهو البحث المتقدّم آنفاً - عن دوامه، فاستحقاق الثواب عقلي، بينما دوامه سمعي۱.

وقد ناقش المرتضى الأدلّة العقلية التي أقيمت لإثبات دوام الثواب، ومنها: أنّ الوجه في استحقاق المدح والثواب واحد، كما أنّ وجه استحقاق الذمّ والعقاب واحد أيضاً، فإذا كان المدح والذمّ دائميين، صار الثواب والعقاب دائميين أيضاً.

لقد ناقش المرتضى هذا الاستدلال من خلال التشكيك في الصغرى، وهو أنّه من غير المسلّم أنّ وجه المدح والذمّ من جهة، ووجه الثواب والعقاب من جهة أخرى واحد، خاصّة وأنّه تقدّم أنّ الله تعالى يستحقّ المدح دون الثواب، وقد يستحق الذمّ دون العقاب على فرض فعله القبيح (تعالى عن ذلك)۲.

والظاهر أنّ القول بدوام الثواب هو أحد الأمور التي دعت المرتضى إلى تبنّي نظرية الموافاة۳.

دوام العقاب: ميّز المرتضى بين عقاب الكفر وعقاب باقي المعاصي، فعقاب الكفر دائمي؛ وذلك لإجماع الأمّة، أمّا عقاب سائر المعاصي سواء الكبائر والصغائر فلا دليل عقلياً على دوام عقاب مرتكبها وخلوده في جهنم، فلابدّ من الرجوع إلى السمع، وإذا رجعنا إلى السمع وجدناه يدلّ على أنّ عقاب المعاصي غير الكفر منقطع،

1.. المصدر السابق، ص۲۸۰ - ۲۸۱؛ المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الطبرية)، ج۱، ص۱۴۸.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۲۸۱.

3.. المصدر السابق، ص۵۲۱.


الشريف المرتضى و المعتزلة
232

لأنّه لا توجد مصلحة أو منفعة في الوجود يمكن أن تنفعه وتضيف إليه شيئاً۱.

ويرى المرتضى أنّ البحث عن استحقاق العقاب ليس بحثاً عقلياً بل سمعي خلافاً لاستحقاق الثواب، أي أنّ العقل غير قادر على إثبات استحقاق العقاب، رغم قدرته على إثبات استحقاق الثواب، وبذلك يَثبت استحقاق العقاب بالإجماع والسمع؛ فإنّه لا خلاف بين المسلمين حول أنّ القبائح يُستحقّ عليها العقاب۲.

وقد ناقش المرتضى ثلاثة أدلّة عقلية أقيمت لإثبات استحقاق العقاب على فعل القبائح والمعاصي، ومنها الدليل الذي أقامه أبو هاشم الجبّائي، حيث استدلّ بأنّ الله تعالى قد أوجد في المكلّف الشهوة لفعل القبائح، فلو لم يَعلم المكلّف بأنّه يستحقّ على فعل القبائح الضرر، لكان الله تعالى قد أغراه بالقبيح وخدعه.

وناقشه المرتضى بأنّ الإغراء يزول إذا جوّز المكلّف استحقاق العقاب على فعل القبائح، وهذا التجويز كافٍ في الردع والزجر، ومُخرج من الإغراء۳.

أمّا من الذي يقوم بالعقاب؟ اختلف المرتضى في هذه النقطة مع أبي عليّ الجبّائي، فركّز على أنّ الله تعالى هو الوحيد الذي يمتلك حقّ العقاب على المعاصي والقبائح، بينما حاول الجبّائي تعميم حقّ العقاب ليشمل بعض المكلّفين۴. ولهذا البحث مجال آخر.

إذن لقد اختلف المرتضى مع معتزلة البصرة في بعض مسائل استحقاق العقاب.

ب - دوام الثواب والعقاب (الخلود)

صار هذا البحث مثاراً لجدل طويل وعريض بين المتكلّمين، وقد أثاره المعتزلة في البداية، ثم دخل في أروقة البحث الكلامي. وقد ركّز المعتزلة بحوثهم على دوام عقاب مرتكب الكبيرة، فذهبوا إلى أنّ مرتكب الكبيرة خالد في جهنّم لا محالة،

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۲۸۱، ۲۹۵.

2.. المصدر السابق، ص۲۹۸.

3.. المصدر السابق، ص۲۹۶-۲۹۷.

4.. المصدر السابق، ص۲۹۸.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1102
صفحه از 275
پرینت  ارسال به