231
الشريف المرتضى و المعتزلة

المعاد۱. ولم يصرّح في مباحث الوعيد العقلي باسم «الوعيد العقلي»، لكن بما أنّ بحثه عن هذه المباحث كان بحثاً عقلياً ومرتبطاً بمسائل العقاب، لذلك ناسب أن يسمّى بالوعيد العقلي.

ونحاول في هذا المجال أن نسلّط الضوء على أهمّ أبحاث الوعيد العقلي والسمعي لنتبيّن مواطن الخلاف بين المرتضى والمعتزلة.

أ - استحقاق الثواب والعقاب

دارت بين المتكلّمين بحوث موسّعة حول استحقاق الثواب والعقاب، وأنّهما على أيّ شيء يُستحقّان؟ وهل استحقاقهما يَثبت بالعقل أو السمع؟ لذلك انقسم البحث إلى قسمين:

استحقاق الثواب: يشترط في استحقاق الثواب أن يكون الفعل شاقّاً. وهذا هو الفارق بين الثواب والمدح، فلا يشترط في الفعل الممدوح عليه أن يكون شاقّاً، بينما يشترط في الفعل المثاب عليه أن يكون شاقّاً، ولهذا يصحّ أن يُمدح الله تعالى على أفعاله، بينما لا يصحّ أن يُثاب عليها؛ لأنّه لا يوجد شيء شاقّ عليه تعالى۲.

إنّ البحث عن استحقاق الثواب على الأفعال بحث عقلي، فالعقل يدرك أنّ المكلّف إذا فعل طاعة فإنّه يستحقّ أن يثاب عليها، وأن يَقترن ذلك بالتعظيم والإجلال۳.

استحقاق العقاب: يشترط في استحقاق العقاب أن يكون فاعلُ القبيح أو المُخِلُّ بالواجب إنّما اختار ذلك بسبب ما فيه من نفع ومصلحة تعود عليه؛ وذلك لأنّه لو لم يكن كذلك، فلو فرضنا أنّه تعالى فعل القبيح - باعتبار أنّه تعالى قادر على القبيح، وإن لم يكن يفعله - لاستحقّ عليه العقاب، ولا أحد يقول بذلك، لكن إذا اشترطنا في العقاب أن تكون في الفعل مصلحة تعود على العاصي، فسوف لن يستحقّ تعالى العقاب، وإن فعل القبيح، لكنّه يستحقّ الذمّ (تعالى عن ذلك)؛

1.. المصدر السابق، ص۵۰۴.

2.. المصدر السابق، ص۲۷۹ - ۲۸۰.

3.. المصدر السابق، ص۳۰۰؛ الحُمُّصي الرازي، المنقذ من التقليد، ج۲، ص۲۷.


الشريف المرتضى و المعتزلة
230

وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)۱، فإنّ للمتكلّم الإمامي أن يجيب بكلّ سهولة على هذا النوع من الاستدلال، بأنّ تلك الآيات وإن دلّت على إيمان الصحابة بحسب الظاهر، لكن بما أنّ الإيمان مقيّد بالموافاة، لذا فدلالة تلك الآيات ستكون مقيّدة وخاصّة ببعض الصحابة الذين لم يخالفوا أمير المؤمنين علیه السّلام، وكانوا موافين على الإيمان، أمّا من لم يكن كذلك فلا تشمله دلالة الآيات أبداً۲. ومن خلال كلّ ما تقدّم اتّضح مدى البون الشاسع بين أفكار المرتضى وبين المعتزلة في مجال تصور حقيقة الإيمان والكفر، ومسألة المنزلة بين المنزلتين.

۲. الوعد والوعيد (الثواب والعقاب)

من الأبحاث المهمّة التي دار فيها نزاع شديد بين الإمامية بصورة عامّة والمعتزلة هي مسألة الوعد والوعيد، والتي صارت أصلاً من أصول المعتزلة الخمسة.

وفي الحقيقة أنّ الوعد يعني الثواب الذي وعد الله تعالى المؤمنين به في الجنة، والوعيد هو العقاب الذي توعّد الله تعالى العاصين بإيصاله إليهم في جهنّم. إذن حقيقة بحث الوعد والوعيد يدور حول بحث الثواب والعقاب، ومَن الذي يستحقّهما؟ ولماذا يستحقّهما؟ وهل يؤثّر أحدهما في الآخر أم لا؟ إلى غير ذلك من الأبحاث.

وقد تركّز الخلاف بين الإمامية والمرتضى من جهة، وبين المعتزلة من جهة أخرى على مسائل الوعيد. وبما أنّ بعض مسائل الوعيد يمكن البحث عنها عقلياً، وبعضها لا يمكن البحث عنها إلّا من خلال السمع والنقل، لذلك قسّم المرتضى البحث عن الوعيد إلى قسمين: الوعيد العقلي والوعيد السمعي. وفي الحقيقة أنّ الوعيد الحقيقي هو الوعيد السمعي، أمّا العقلي فيمكن اعتباره مقدّمة للوعيد السمعي الحقيقي۳.

وقد بحث المرتضى عن الوعيد العقلي عند بحثه عن أفعال الإنسان وذلك في ضمن مباحث العدل۴، فيما بحث عن الوعيد السمعي في ضمن مباحث

1.. التوبة، الآية ۱۰۰.

2.. انظر: المفيد، الإفصاح في الإمامة، ص۷۷ - ۷۸.

3.. المرتضی، الذخيرة، ص۵۰۴.

4.. المصدر السابق، ص۲۷۶.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1045
صفحه از 275
پرینت  ارسال به