الإيمان ويُبطن الكفر، فهو لم يكن مؤمناً ثم كفر، بل كان كافراً منذ البداية؛ لأنّه بحسب القاعدة المتقدّمة أنّ المؤمن لا يكفر أبداً، وإنّما كان يتظاهر بالإيمان، وهو ما يسمّى بالنفاق.
وبما أنّ الإيمان حالة باطنية كما تقدّم، فلا يمكن التعرّف على المؤمن من ظاهره؛ لأنّه قد يكون منافقاً كما تقدّم، فما هو السبيل لمعرفة المؤمن؟ لأجل حلّ هذا الإشكال اشترط المرتضى في الإيمان «الموافاة على الإيمان»، بمعنى أنْ يبقى الشخص على ظاهر الإيمان إلى آخر لحظة من حياته، ولا يُنهي حياته بالكفر الصريح، كالخروج على إمام الزمان الشرعي، أو إنكار إمامة أحد الأئمّة الاثني عشر علیهم السّلام، أو غير ذلك من الكفر الصريح، فإنّه لو أنهى حياته بمثل هذا النوع من الكفر لعلمنا أنّه لم يكن مؤمناً منذ البداية، بل كان منافقاً، بينما إذا وافى على الإيمان، أي وصل إلى آخر محطّة من حياته وهو مؤمن، فحينئذ نعلم أنّه كان مؤمناً حقّاً.
وفي الحقيقة ليست الموافاة شرطاً للإيمان، وإنّما هي علامة ودليل على الإيمان، فهي تكشف لنا عن الإيمان، وتميّز المؤمن من غير المؤمن۱. وبعبارة علمية: الموافاة دليل إثباتي على الإيمان، وليست شرطاً ثبوتياً له.
إنّ فكرة الموافاة التي آمن بها المرتضى وغيره من الإمامية سمحت لهم بإثبات نفاق الكثيرين ممّن كانت لهم سابقة في الإسلام على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله، لكنّهم أنكروا إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام بعد ذلك، أو حاربوه يوم الجمل وصفّين، فإنّ هذا يعني أنّهم لم يكونوا مؤمنين منذ بداية الأمر، بل كانوا منافقين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر. وهذا بالطبع لا يشمل المستضعفين القاصرين الذين لا بصيرة لهم في الدين، فإنّه لا تشملهم هذه الأحكام، وترجى لهم النجاة يوم القيامة.
ثم إنّ فكرة الموافاة سمحت للإمامية أيضاً أن يجيبوا على استدلالات الآخرين ببعض الآيات على إيمان الصحابة الذين خالفوا أمير المؤمنين علیه السّلام، مثل قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ