223
الشريف المرتضى و المعتزلة

فهذه هي الآثار والتغييرات التي فرضها التطوّر الأخير المتقدّم على نفس النصّ، أما الآثار التي تركها على الدليل على النصّ «دليل العصمة»، فنجد أنّه صار دليلاً لإثبات النصّ والمعجزة معاً عند الشيخ المفيد، حيث قال عند تعرّضه لإبطال قول الكيسانية في إمامة محمّد ابن الحنفية: «فممّا يدلّ على بطلان قول الكيسانية في إمامة محمّد رضی الله عنه أنّه لو كان على ما زعموا إماماً معصوماً يجب على الأمّة طاعته، لوجب النصّ عليه أو ظهور العَلَم الدالّ على صدقه؛ إذ العصمة لا تُعلم بالحسّ ولا تُدرك من ظاهر الخلقة، وإنّما تُعلم بخبر علّام الغيوب المطّلع على الضمائر، أو بدليله سبحانه على ذلك»۱.

أمّا المرتضى فتقدّم أنّه يوجد تذبذب في كلامه، فتارة يستدلّ بدليل العصمة على النصّ فقط، وأخرى يستدلّ به على النصّ والمعجزة معاً، وقد تقدّم هذا كله. فيما حافظ متكلّمون آخرون على الطريقة التقليدية واستدلّوا بالعصمة على النصّ فقط۲.

۳. العلم بالشريعة

من الصفات الأخرى التي ينبغي أن يتّصف بها الإمام والرئيس هو أن يكون أعلم الأمّة بأحكام الشريعة؛ وذلك لأنّه إمامٌ فيها ورئيس في الشرع، فمن الطبيعي أن يكون أعلم بها. إضافة إلى أنّه لو كان هناك من هو أعلم منه لكان من القبيح تقديمه عليه؛ لقبح تقديم المفضول على الفاضل في ما هو رئيسٌ فيه۳.

لقد آمن المرتضى بذلك، لكن من الواضح أنّ هذه الرؤية لا تتلائم مع الرؤية الاعتزالية التي تؤيّد إمامة الكثير من الأئمّة الذين وصلوا إلى السلطة في التاريخ، والذين لم يكونوا أعلم بأحكام الشريعة من غيرهم، بل كان في الأمّة من هو أعلم منهم بكثير، ولهذا لم يشترط المعتزلة هذا الشرط في الإمام۴، وبهذا اختلف المرتضى معهم في هذه النقطة أيضاً.

1.. المفيد، الفصول المختارة، ص۳۰۰.

2.. الخواجة الطوسي، تجريد الاعتقاد، ص۲۲۳؛ المحقّق الحلّي، المسلك، ص۲۱۰.

3.. المرتضی، الشافي في الإمامة، ج۲، ص۱۵، ۱۹-۲۰؛ المرتضی، الذخيرة، ص۴۳۲-۴۳۳.

4.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الإمامة ق۱)، ج۲۰، ص۲۰۸.


الشريف المرتضى و المعتزلة
222

هذه إلى حداثة فكرة إضافة المعجزة إلى أساليب معرفة الإمام، حيث كان يتطلّب تثبيت هذا الأمر إلى وقت أكثر، أو إلى اشتهار «دليل العصمة» كدليل على النصّ فقط دون أي شيء آخر.

ثم إنّ التطوّر الذي أشرنا إليه - أي إضافة عنصر المعجزة كعنصر جديد لمعرفة الإمام - قد ترك أثره على شرط النصّ - كأحد الشروط التي يجب أن يتمتّع بها الإمام إلى جانب العصمة وغيرها من شروط - وعلیٰ دليله، وذلك كما يلي:

أمّا أثره على نفس شرط النصّ، فيظهر من خلال مراجعة كلام مجموعة من متكلّمي الإمامية:

فقد قال الشيخ المفيد عند استعراضه لشرط النصّ: «واتّفقت الإمامية على أنّ الإمامة لا تثبت - مع عدم المعجز لصاحبها - إلّا بالنصّ على عينه والتوقيف»۱. فهذه محاولة واضحة للحفاظ على شرط النصّ بأيّ طريقة، مع الأخذ بنظر الاعتبار شرط الإعجاز.

ثم جاء دور الشريف المرتضى ليجعل شرط الإعجاز إلى جانب النصّ، كما تقدّم آنفاً في بعض عباراته.

وقد نسج على منوال المرتضى بعض المتكلّمين، مثل الشيخ سديد الدين الحُمُّصي، حيث قال: «فأمّا الطريق إلى تعيين الإمام، فعندنا إنّما هو النصّ من جهته تعالى عليه، أو ما يقوم مقامه من المعجز»۲.

إلى أن وصلت النوبة إلى العلّامة الحلّي ليُدخل تطويراً كبيراً على مفهوم «النصّ»، ليجعله شاملاً للمعجزة، فصار شرط معرفة الإمام هو النصّ فقط، لكن المقصود بالنصّ هو إمّا النصّ القولي أو النصّ الفعلي الذي هو المعجزة، فقد صارت المعجزة نوعاً من النصّ، لكنّه نصّ فعلي. قال العلّامة الحلّي: «والنصّ إمّا بخلق معجز على يده [أي الإمام] عقيب ادّعاء الإمامة، أو بتعيين المعصوم عليه، كنبيّ أو إمام»۳.

1.. المفيد، أوائل المقالات، ص۴۰.

2.. الحُمُّصي الرازي، المنقذ من التقليد، ج۲، ص۲۹۶.

3.. العلّامة الحلّي، تسليك النفس، ص۲۰۲؛ وانظر: العلّامة الحلّي، أنوار الملكوت، ص۲۰۸.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1203
صفحه از 275
پرینت  ارسال به