للإمامية. فلا مبرّر إذن للدخول في هذه البحوث المطوّلة، فهو أمر لا يعنينا في هذا الکتاب التي نحاول فيها معرفة مدى تأثّر المرتضى بالمعتزلة، فإنّه لا يوجد مَن يدّعي أنّ المرتضى كان تابعاً للمعتزلة في مجال الإمامة الخاصّة، فهو ادّعاء باهت وضعيف. ولهذا فضّلنا الاقتصار على بحوث الإمامة العامّة، حيث يمكن أن يُدَّعى بصورة أوّلية أنّ المرتضى تابَعَ المعتزلة في بعضها، لذلك اقتضى الأمر البحث عنها، وذلك كما يلي:
۱. وجوب الإمامة في كلّ عصر
ظهر خلاف حول وجوب الإمامة في كلّ عصر، وهل هي واجبة أم لا؟ وإذا كانت واجبة فهل تجب بالعقل أم بالنقل؟
ذهب المعتزلة والإمامية إلى وجوب الإمامة، لكنّهم اختلفوا، فذهب معتزلة البصرة وعلى رأسهم الجبّائيان أبو عليّ وأبو هاشم والقاضي عبد الجبّار إلى أنّ وجوب الإمامة بالسمع فقط، وأنّها لا تجب بالعقل۱. فيما ذهب الإمامية ومعتزلة بغداد إلى أنّ الإمامة تجب بالعقل إضافة إلى السمع۲.
فلا خلاف إذن بين المعتزلة والإمامية حول ثبوت الإمامة بالسمع، لكنّ الخلاف حول ثبوتها بالعقل أيضاً أم لا۳.
أمّا الإمامية ومعتزلة بغداد القائلون بالوجوب العقلي فقد اختلفوا فيما بينهم، فذهب الإمامية إلى أنّ وجوب الإمامة من باب اللّطف الواجب على الله تعالى، بينما قال معتزلة بغداد إنّ وجوبها ناشئ من وجوب دفع الضرر الواجب على العباد۴.
يبدو أنّ إصرار البصريين على اعتبار وجوب الإمامة بالسمع لا العقل ناشئ من نظرتهم إلى مسألة الإمامة كمسألة فرعية فقهية تجب على المكلّفين كوجوب الصلاة
1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الإمامة ق۱)، ج۲۰، ص۱۶ - ۱۷؛ العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۳۶۲.
2.. الطوسي، الاقتصاد، ص۳۵۳ - ۳۵۴؛ العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۳۶۲.
3.. الطوسي، الاقتصاد، ص۳۵۳.
4.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۱۰؛ المحقّق الحلّي، المسلك في أصول الدين، ص۱۸۸؛ مانكديم، شرح الأصول الخمسة، ص۵۱۴؛ المشهداني، الفلسفة الإلهية عن المعتزلة، ص۳۰۵.