203
الشريف المرتضى و المعتزلة

في الصرف عنه إلى آخر الزمان. وهذا من أوضح برهان في الإعجاز، وأعجب بيان»۱. إلّا أنّ القطب الراوندي والعلّامة المجلسي ادّعيا أنّ الشیخ المفید رجع عن هذا الرأي۲، ولكن لم يذكرا اسم الكتاب أو الرسالة التي رجع فيها عن رأيه.

وظهر بعد ذلك الشريف المرتضى وتبنّى النظرية وحاول الدفاع عنها بقوّة، ونقد جميع الوجوه الأخرى التي ذكرت لإعجاز القرآن، حتّى إنّه ألّف كتاباً مستقلّاً حول هذا الموضوع سمّاه: الموضح عن جهة إعجاز القرآن حيث خصّصه للبحث عن الصرفة، وناقش فيه بالخصوص كلام القاضي عبد الجبّار في كتابه الكبير المغني. وبذلك تحوّل المرتضى إلى أكبر وأبرز متكلّم على الإطلاق تبنّى نظرية الصرفة، وألّف فيها ونظّر لها، ودعمها بكلّ ما أوتي من قدرات كلامية وجدلية.

ومن بعده اختلف الإمامية بين من استمرّ على الإيمان بالصرفة كأبي الصلاح الحلبي، وأبي المجد الحلبي، والمقري النيسابوري۳، وبين من رفضها وفضّل القول بالفصاحة كالشيخ الطوسي۴، وبين من ساوى بين الصرفة والفصاحة في الاحتمال، فقد صرّح الخواجة الطوسي، ومن بعده العلّامة الحلّي بأنّ كلا الأمرين محتمل۵.

أمّا الشيخ سديد الدين الحُمُّصي فقد نقل عن أستاذه رشيد الدين - وهو ابن شهر آشوب (ت۵۸۸ه‍ ) - إشكالاً على القول بالفصاحة وتأييداً للصرفة۶، فيظهر أنّ أستاذه كان يؤمن بالصرفة أيضاً.

أ - نقد نظرية فصاحة القرآن ونظمه

لقد وجّه المرتضى همَّه لنقد نظرية فصاحة القرآن التي آمن بها معتزلة البصرة؛ وذلك

1.. المفيد، أوائل المقالات، ص۶۳.

2.. الراوندي، الخرائج والجرائح، ج۳، ص۹۸۱؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج۱۷، ص۲۲۴.

3.. الحلبي، تقريب المعارف، ص۱۰۵ - ۱۰۷؛ الحلبي، إشارة السبق، ص۴۲؛ المقري النيسابوري، التعليق، ص۱۸۱.

4.. الطوسي، الاقتصاد، ص۱۷۲ - ۱۷۳.

5.. العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۳۵۷.

6.. الحُمُّصي الرازي، المنقذ من التقليد، ج۱، ص۴۶۸ - ۴۶۹.


الشريف المرتضى و المعتزلة
202

ومنهم معتزلة البصرة - إلى أنّ إعجاز القرآن ناشئ من فصاحته، ففصاحته الخارقة للعادة تجاوزت قدرات العرب العرباء الذين تربّعوا على قمّة الفصاحة، وجعلتهم يعلنون عجزهم عن معارضة كلّ هذه الفصاحة التي أتى بها القرآن۱.

فيما ذهب بعض آخر - ومنهم معتزلة بغداد - إلى أنّ إعجاز القرآن ناشئ من نظمه البديع الخارق للعادة، والخارج عن قدرة العباد۲. فهذه هي أهمّ نظريات تفسير إعجاز القرآن عند المعتزلة، والذين تعنينا في هذا الکتاب دراسة آرائهم.

لكن ظهرت مقابل هذه النظريات نظرية غريبة جاء بها متكلّم معتزلي مشهور وهو النظّام، حيث قال: إنّ إعجاز القرآن لم يكن بسبب أنّ فصاحته أو نظمه كانا خارقَين للعادة، وإنّما إعجازه ناشئ من أنّ الله تعالى صَرَفَ العرب عن معارضة القرآن، وجعلهم - من خلال تدخّل غيبي في نفوسهم - يتركون الإتيان بمثله، وبذلك جاء بنظرية عرفت بنظرية «الصرفة». إلّا أنّ هذه النظرية قد نُقلت بصورة مجملة عن النظّام، من دون إعطاء بيان مفصّل لحقيقتها أو الاستدلال عليها۳. وقد تبعه في هذه النظرية كلٌّ من أبي إسحاق النصيبي۴، وعبّاد بن سليمان الصيمري، وهشام بن عمرو الفُوَطي.۵

كما وَجدت هذه النظرية بين الإمامية في القرن الرابع والخامس مَن يؤمن بها ويدافع عنها، فقد آمن الشيخ المفيد بها، وقال: «القول في جهة إعجاز القرآن: وأقول: إنّ جهة ذلك هو الصرف من الله تعالى إلى أهل الفصاحة واللسان عن المعارضة للنبيّ صلی الله علیه و آله بمثله في النظام عند تحدّيه لهم، وجعل انصرافهم عن الإتيان بمثله - وإن كان في مقدورهم - دليلاً على نبوّته صلی الله علیه و آله، واللّطف من الله تعالى مستمرّ

1.. المصدر السابق، ص۳۷۸.

2.. المصدر السابق، ص۳۷۹.

3.. المصدرالسابق، ص۳۷۸.

4.. الطوسي، تمهيد الأصول، ص۳۳۴.

5.. المفيد، أوائل المقالات (قسم التعليقات)، ص۱۶۶.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1167
صفحه از 275
پرینت  ارسال به