فبناء على ذهاب المعتزلة إلى عدم إمكان ظهور المعجزة على يد غير الأنبياء علیهم السّلام، تكون المعجزة خاصّة بالأنبياء علیهم السّلام، ويترتّب على ذلك وجوب النظر في كل معجزة؛ لأنّ النبيّ هو الوحيد الذي يأتي بالمعجزة، فينبغي بطبيعة الحال النظر في معجزته للتأكّد من صحّة دعوته فيُتَّبع، أو بطلانها فيُترك.
أمّا الإمامية والمرتضى الذين جوّزوا ظهور المعجزة على يد غير الأنبياء علیهم السّلام، فقد قسّموا المعجزات من حيث وجوب النظر وعدمه إلى نوعين:
أحدهما: أن يدعو صاحبُ المعجزة - النبيّ أو الإمام - المكلّفَ إلى أمر واجب لا يقوم غيره مقامه، ففي هذه الصورة يكون النظر في معجزته واجباً.
والآخر: أن لا يدعو إلى أمر واجب، كما في حالة الأولياء والصالحين، ففي هذه الصورة لا يجب النظر في معجزته، وإن كان ذلك أمراً حسناً۱.
۳. جهة إعجاز القرآن (الصرفة)
اتّفق المسلمون على أنّ أهمّ معجزة أتى بها النبيّ محمّد صلی الله علیه و آله لإثبات نبوّته هي القرآن الكريم، فقد استطاع النبيّ صلی الله علیه و آله من خلال هذه المعجزة أن يتحدّى العرب الفصحاء الذين بلغوا شأناً كبيراً في مجال الشعر، والفصاحة، والبلاغة، ومعارضة الشعر بالشعر. لقد تحدّاهم أن يأتوا بسورة واحدة مثل إحدى سور القرآن، لكنّهم أحجموا عن ذلك، بل عجزوا عنه، وفضّلوا أن يقاتلوه صلی الله علیه و آله، ويبذلوا مُهَجَهم للقضاء على دعوته، بدل أن يعارضوا ما جاء به من القرآن ببضع كلماتٍ كانوا هم الأقدر عليها من بين سُكّان الأرض.
ورغم كفاية هذا البيان لإثبات أنّ القرآن معجزة النبيّ صلی الله علیه و آله، وأنّه صلی الله علیه و آله مؤيَّد من قِبَل الله تعالى بأمر يعجز كلّ الناس عن معارضته، إلّا أنّ المتكلّمين فضّلوا تفصيل هذا المجمل، والبحث عن وجه إعجاز القرآن، ومعرفة أنّه كيف صار معجزاً؟
وحينئذ ظهرت مدارس وآراء مختلفة حاولت تفسير ذلك، فذهب بعض المتكلّمين -