201
الشريف المرتضى و المعتزلة

فبناء على ذهاب المعتزلة إلى عدم إمكان ظهور المعجزة على يد غير الأنبياء علیهم السّلام، تكون المعجزة خاصّة بالأنبياء علیهم السّلام، ويترتّب على ذلك وجوب النظر في كل معجزة؛ لأنّ النبيّ هو الوحيد الذي يأتي بالمعجزة، فينبغي بطبيعة الحال النظر في معجزته للتأكّد من صحّة دعوته فيُتَّبع، أو بطلانها فيُترك.

أمّا الإمامية والمرتضى الذين جوّزوا ظهور المعجزة على يد غير الأنبياء علیهم السّلام، فقد قسّموا المعجزات من حيث وجوب النظر وعدمه إلى نوعين:

أحدهما: أن يدعو صاحبُ المعجزة - النبيّ أو الإمام - المكلّفَ إلى أمر واجب لا يقوم غيره مقامه، ففي هذه الصورة يكون النظر في معجزته واجباً.

والآخر: أن لا يدعو إلى أمر واجب، كما في حالة الأولياء والصالحين، ففي هذه الصورة لا يجب النظر في معجزته، وإن كان ذلك أمراً حسناً۱.

۳. جهة إعجاز القرآن (الصرفة)

اتّفق المسلمون على أنّ أهمّ معجزة أتى بها النبيّ محمّد صلی الله علیه و آله لإثبات نبوّته هي القرآن الكريم، فقد استطاع النبيّ صلی الله علیه و آله من خلال هذه المعجزة أن يتحدّى العرب الفصحاء الذين بلغوا شأناً كبيراً في مجال الشعر، والفصاحة، والبلاغة، ومعارضة الشعر بالشعر. لقد تحدّاهم أن يأتوا بسورة واحدة مثل إحدى سور القرآن، لكنّهم أحجموا عن ذلك، بل عجزوا عنه، وفضّلوا أن يقاتلوه صلی الله علیه و آله، ويبذلوا مُهَجَهم للقضاء على دعوته، بدل أن يعارضوا ما جاء به من القرآن ببضع كلماتٍ كانوا هم الأقدر عليها من بين سُكّان الأرض.

ورغم كفاية هذا البيان لإثبات أنّ القرآن معجزة النبيّ صلی الله علیه و آله، وأنّه صلی الله علیه و آله مؤيَّد من قِبَل الله تعالى بأمر يعجز كلّ الناس عن معارضته، إلّا أنّ المتكلّمين فضّلوا تفصيل هذا المجمل، والبحث عن وجه إعجاز القرآن، ومعرفة أنّه كيف صار معجزاً؟

وحينئذ ظهرت مدارس وآراء مختلفة حاولت تفسير ذلك، فذهب بعض المتكلّمين -

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۲۴.


الشريف المرتضى و المعتزلة
200

لإثبات أنّه هو هذا الشخص أو ذاك، وما دام لم يبقَ أحد ممن شاهد الإمام أيّام الغيبة الصغرى على قيد الحياة ليعرّف الآخرين على شخص الإمام؟

إذن لقد واجه متكلّمو عصر الغيبة الكبرى إشكالاً من هذا القبيل، وقد أورده عليهم مخالفوهم من باقي الفِرَق عند خوضهم في بحث الغيبة، فعلى سبيل المثال، نقل شخص في مجموعة أسئلة وجّهها إلى الشيخ المفيد إشكالاً أخذه من المعارضين للإمامية في مجال الغيبة، وقد لخّص الشيخ المفيد الإشكال بما يلي: «إذا كان الإمام غائباً منذ ولد وإلى أن يظهر داعياً إلى الله تعالى، ولم يكن رآه - على قولٍ - مِن أصحابه أحد إلّا من مات قبل ظهوره، فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه، ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته»۱.

إنّ هذا الإشكال المهمّ والقوي اضطرّ متكلّمي الإمامية إلى البحث عن طريقٍ للتعرّف على شخص الإمام علیه السّلام عند ظهوره، فتوصّلوا إلى أنّ أفضل طريق لذلك هو المعجزة؛ فإنّ بإمكان الإمام علیه السّلام عند ظهوره أن يُظهر معجزة لكي يدلّ على أنّه الإمام حقّاً، ولهذا تبنّت الإمامية نظرية جواز ظهور المعجزة على يد الأئمّة علیهم السّلام وأصرّوا عليها؛ باعتبار أنّ هذه النظرية من مقتضيات عصر الغيبة الكبرى۲.

ولعلّه لأجل هذا التحليل لم يجد النوبختيون الذين كانوا يعيشون في عصر الغيبة الصغرى وإلى جانب النوّاب الأربعة، لم يجدوا أنفسهم بحاجة إلى تبنّي هذه النظرية؛ حيث كان بإمكانهم التعرّف على شخص الإمام - إذا ظهر في عصرهم - من خلال نوّابه الذين كانوا يشاهدونه ويجتمعون معه.

۲. عدم وجوب النظر في مطلق المعجزة

يترتّب على إمكان ظهور المعجزة على يد غير الأنبياء علیهم السّلام اختلافٌ آخر بين المرتضى والمعتزلة، وهو هل يجب النظر في كلّ معجزة أم لا يجب النظر إلّا في بعض المعجزات؟

1.. المفيد، الفصول العشرة في الغيبة، ص۱۲۱.

2.. انظر: المرتضى، تنزيه الأنبياء والأئمّة علیهم السّلام، ص۲۲۷؛ الحلبي، تقريب المعارف، ص۲۱۵؛ فخر المحقّقين، النكت الاعتقادية، ص۴۵ (الرسالة منسوبة إلى فخر المحقّقين).

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1100
صفحه از 275
پرینت  ارسال به