173
الشريف المرتضى و المعتزلة

وإيصاله إلى المولى، ولم يفعل الغلام ذلك، فإنّه يحسن من المولى أن يذمّه مع أنّه لا يحسن الذمّ على ترك ما لا يقدر عليه، وهذا يعني أنّ القدرة باقية۱.

وناقشهم المرتضى أيضاً بأنّه من الممكن أن يقال: إنّ القدرة التي في الغلام وهو واقف في مكانه هي قدرة على المناولة، وإن تعذرت عليه المناولة مع بُعد المسافة، أو عدوله عن قطعها۲.

وبذلك فقد وقف المرتضى في وجه المعتزلة بشقّيها من البغداديين والبصريين من دون أن يتابع أيّ فريق منهم، وتوقّف في المسألة من دون أن يتبنّى رأياً محدّداً فيها، وهو يدلّ على احتراف نادر، فإنّه لا يجب على العالِم أن يُبدي رأيه في كلّ مسألة، بل يمكنه أن يتوقّف أحياناً، ويقول: «لا أدري».

أضِف إلى ذلك، فإنّ ما تقدّم يدلّ على أنّ المرتضى كان يقف أمام المسائل الجديدة، والتي ليست لها جذور واضحة في تراث أهل البيت علیهم السّلام موقفَ العالِم المجتهد، فيدرس جميع الأدلّة ويقيّمها، فيقبلها أو يرفضها، ولم يكن مقلّداً لأحدٍ في ذلك.

۴. التكليف بما لا يطاق

من المسائل المهمّة المتعلّقة بالعدل والتي دار الكلام فيها بين المتكلّمين مسألة التكليف بما لا يطاق، وهل هو قبيح أو جائز؟ والمقصود بما لا يطاق هو ما يتعذّر وجوده، أي الأمر المستحيل، سواء كان سبب ذلك هو عدم القدرة، أو وجود عجز، أو زمانة، أو فقدان إحدی الجوارح، أو فقدان علمٍ يُحتاج إليه في العمل بالتكليف۳.

وقد آمن كلٌّ من الإمامية والمعتزلة بقبح التكليف بما لا يطاق. والدليل العقلي على ذلك هو الاستدلال بالشاهد على الغائب، فإنّه يقبح منّا أن نكلّف الجماد، أو الميّت، أو المريض المُقعَد بالحركة، كما يقبح أن نكلّف الأعمى بوضع نقاط على

1.. النيسابوري، المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين، ص۲۵۷.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۹۷.

3.. المصدر السابق، ص۱۰۰.


الشريف المرتضى و المعتزلة
172

أمّا المرتضى ففضّل التوقّف في هذه المسألة وعدم الإفتاء بسلب أو إيجاب؛ وذلك - بحسب رأيه - لعدم وجود دليل يؤيّد هذه الجهة أو تلك، فقد قال: «والصحيح الشكّ في ذلك، والتوقّف عن القطع في القُدَر على بقاء أو عدم في الثاني؛ لفقدِ الدليل القاطع على أحد الأمرين، والشكُّ فرضُ من لا دليل له. ومع الشكّ لابدّ من التجويز لبقائها والتجويز لكونها من الجنس الذي لا يبقى، وإنّما يقع المنع من القطع على أحد الأمرين لفقدِ الدليل»۱. وبعد ذلك قام بمناقشة الأدلّة التي أقامها كلا الفريقين من المعتزلة وردَّها واعتبرها باطلة۲.

أمّا دليل البلخي ومن وافقه من البغداديين على عدم بقاء القدرة فهو: إنّ الباقي إذا أراد البقاء فإنّه لا يبقى إلّا ببقاء، أي لا يبقى إلّا بعروض البقاء عليه، ولكن الأعراض لا يجوز عليها البقاء؛ لأنّها لا تبقى إلّا بحلول البقاء فيها، حالها حال كلّ شيء يريد البقاء، لكن لا يجوز أن يحلّ البقاء في الأعراض ويكون صفة لها؛ لعدم تمكّن الأعراض من حمل شيء۳.

وأجاب المرتضى على هذا الاستدلال بأنّ البقاء ليس (معنى) كي يحلّ في الأعراض أو لا يحلّ، وذلك أنّ الصفة - كالبقاء - إنّما تُسند في وجودها إلى معنى في داخل الذات، وذلك في صورة تميُّز تلك الصفة عن باقي الصفات، بينما وصفُ الباقي بكونه باقياً ليس صفة حقيقية، وإنّما الفائدة من وصفه بذلك أنّ وجوده مستمرّ، لا أكثر. وبذلك يَبطل استدلال البغداديين، فإنّ البقاء ليس صفة حتى يحتاج اتصافُ الشيء به إلى عروض البقاء عليه۴.

وأمّا البصريون فقد استدلّوا على بقاء القدرة بمثال، وهو أنّه يحسن من أحدنا أن يأمر غلامه بأن يناوله كوزاً من الماء، فإذا مضت فترة من الزمن تكفي لتناول الإناء

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۹۶.

2.. المصدر السابق.

3.. المصدر السابق.

4.. المصدر السابق.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1186
صفحه از 275
پرینت  ارسال به