حقيقية، ولو قالوا إنّها مَجازية لما اضطرّوا إلى هذا الرأي.
أمّا الإمامية فقد اتّفق الشيخ المفيد مع البغداديين في إنكار الإرادة واعتبارها أمراً مَجازياً۱، كما آمن بأنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي فعله، وإرادته لأفعال الناس أمره بها۲. وفي الحقيقة لم يتابع الشيخ المفيد البغداديين في هذه المسألة، بل تابَعَ فيها روايات أهل البيت علیهم السّلام الدالّة على هذا التفصيل، حيث صرّح بذلك في قوله: «وأقول:إنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفسُ أفعاله، وإرادته لأفعال خلقه أمرُه بالأفعال، وبهذا جاءت الآثار عن أئمّة الهدى من آل محمّد صلی الله علیه و آله»۳.
وهذا الاتّفاق الغريب بين نظرية البغداديين، وروايات أهل البيت علیهم السّلام لا يمكن أن يكون مجرّد صدفة، بل هو يدلّ على اطّلاع البغداديين على تلك الروايات ومعرفتهم بها، وقد ألّف الشيخ المفيد في هذا المجال رسالة تحمل عنوان: (الرسالة المقنعة في وفاق البغداديين من المعتزلة لما روي عن الأئمّة علیهم السّلام)۴. وهو عنوان معبَّر جدّاً عن ما نحن فيه، ومؤيّد لما تقدّم.
أمّا المرتضى فقد حذا في مسألة الإرادة حذو البصريين، وتبنّى نظرية (الإرادة الحادثة لا في محلّ)، واستدلّ على ذلك بالتفصيل۵، فيكون بذلك تابعاً للمعتزلة البصريين في بحث حقيقة الإرادة.
۸. نفي التشبيه والتجسيم
تمكّن المعتزلة بفضل ما أوتوا من نفوذ علمي وربّما سياسي من إثارة اتّهام كبير حول الإمامية، حيث اتّهموهم بالتشبيه والتجسيم، وبذلك صار الإمامية بعيدين كلّ البعد عن التوحيد (التوحيد بمعنى نفي التشبيه والتجسيم).