يشمل في نفس الوقت الضرورة والإمكان الخاصّ في الطرف الموافق، فيشمل الوجوب فيه تعالى والإمكان الخاص في المخلوقات.
۶. الإدراك والسمع والبصر
اتّفق المسلمون على أنّ الله تعالى سميع بصير، بمعنى أنّه عارف بالأصوات والمرئيات، لكن اختلف المعتزلة فيما بينهم حول حقيقة هاتين الصفتين، فذهب البغداديون منهم إلى أنّهما ترجعان إلى صفة العلم، فالسميع والبصير هو العالم بالمسموعات والمبصرات۱. فيما رفض البصريون هذا التفسير وأرجعوا صفتي السميع والبصير إلى صفة الحياة، قال أبو عليّ الجبّائي: «إنّ الحيّ إذا سلمت نفسه عن الآفة، سُمّي سميعاً بصيراً، ولا معنى للإدراك شاهداً وغائباً إلّا ذلك»۲.
إنّ طرح البحث بهذه الصورة المجملة لا يكشف شيئاً كثيراً عن حقيقة النزاع، ولا يبيّن رأي البصريين الغامض في ذاته، والذي يبدو فيه شيء من التناقض، فهُم من جهة يعتبرون إدراك السمع والبصر شيئاً غير الحياة، ومن جهة أخرى يُرجعون هذا الإدراك إلى صفة الحياة۳.
ولتوضيح حقيقة النزاع الدائر بين البغداديين والبصريين حول هذا الموضوع، نقول: لم يكن موقف البغداديين حول هذا الموضوع غامضاً، بل كان واضحاً كلّ الوضوح، فهُم قد أرجعوا صفتي السمع والبصر إلى العلم، فصارتا بمعنى العلم بالمسموعات والمبصرات، وبذلك قاموا بحلّ مشكلة أزليّة هاتين الصفتين.
لكنّ البصريين توغّلوا في الموضوع شيئاً أكثر، فتأمّلوا في الشاهد فوجدوا أنّ العلم غير الإدراك، ومن هنا دخل بحث الإدراك على الخطّ، فإنّ السمع والبصر في الشاهد عبارة عن إدراك المسموعات والمبصرات۴.