155
الشريف المرتضى و المعتزلة

يشمل في نفس الوقت الضرورة والإمكان الخاصّ في الطرف الموافق، فيشمل الوجوب فيه تعالى والإمكان الخاص في المخلوقات.

۶. الإدراك والسمع والبصر

اتّفق المسلمون على أنّ الله تعالى سميع بصير، بمعنى أنّه عارف بالأصوات والمرئيات، لكن اختلف المعتزلة فيما بينهم حول حقيقة هاتين الصفتين، فذهب البغداديون منهم إلى أنّهما ترجعان إلى صفة العلم، فالسميع والبصير هو العالم بالمسموعات والمبصرات۱. فيما رفض البصريون هذا التفسير وأرجعوا صفتي السميع والبصير إلى صفة الحياة، قال أبو عليّ الجبّائي: «إنّ الحيّ إذا سلمت نفسه عن الآفة، سُمّي سميعاً بصيراً، ولا معنى للإدراك شاهداً وغائباً إلّا ذلك»۲.

إنّ طرح البحث بهذه الصورة المجملة لا يكشف شيئاً كثيراً عن حقيقة النزاع، ولا يبيّن رأي البصريين الغامض في ذاته، والذي يبدو فيه شيء من التناقض، فهُم من جهة يعتبرون إدراك السمع والبصر شيئاً غير الحياة، ومن جهة أخرى يُرجعون هذا الإدراك إلى صفة الحياة۳.

ولتوضيح حقيقة النزاع الدائر بين البغداديين والبصريين حول هذا الموضوع، نقول: لم يكن موقف البغداديين حول هذا الموضوع غامضاً، بل كان واضحاً كلّ الوضوح، فهُم قد أرجعوا صفتي السمع والبصر إلى العلم، فصارتا بمعنى العلم بالمسموعات والمبصرات، وبذلك قاموا بحلّ مشكلة أزليّة هاتين الصفتين.

لكنّ البصريين توغّلوا في الموضوع شيئاً أكثر، فتأمّلوا في الشاهد فوجدوا أنّ العلم غير الإدراك، ومن هنا دخل بحث الإدراك على الخطّ، فإنّ السمع والبصر في الشاهد عبارة عن إدراك المسموعات والمبصرات۴.

1.. الشهرستاني، نهاية الإقدام، ص۱۹۲.

2.. المصدر السابق، ص۱۹۳.

3.. مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۱۰۹.

4.. الفرق الأساسي بين العلم والإدراك هو أنّ العلم يتعلّق بالموجود والمعدوم، بينما الإدراك لا يتعلّق إلّا بالموجود (المرتضی، الملخّص، ص۱۲۴-۱۲۵؛ المرتضی، الذخيرة، ص۵۸۶).


الشريف المرتضى و المعتزلة
154

أخرى، لو قال: إنّ الحيّ هو من يصحّ (يمكن) فيه أن يكون عالماً قادراً - كما هو الأمر بالنسبة للمخلوقات - لما انطبق على الله تعالى، لأنّه يجب أن يكون عالماً قادراً. فبما أنّ «الوجوب»، أو «الصحّة والإمكان» لا يفيان بالمطلوب، أي لا يفيان بإقامة تعريف شامل لله تعالى وللمخلوقات معاً، لذلك تحوّل المرتضى من اعتبار الحياة صفة إيجابية إلى اعتبارها صفة سلبية، وهي «عدم التعذّر، أو عدم الصحّة»؛ لكي تشمل الله تعالى والمخلوقات معاً.

هذا ما يبدو لنا من تحليلٍ لهذا التعريف، خاصّة وأنّ الدليل على صفة الحياة راجع إلى دراسة الشاهد (المخلوقات)، ففي الشاهد نجد أنّ هناك فرقاً بين من يصحّ أن يكون عالماً قادراً - كالإنسان - ومن لا يصحّ أن يكون كذلك - كالجدار -، وهذا التفريق يرجع إلى صفة، وإذا رجعنا إلى أهل اللّغة وجدناهم يسمّون من صحّ عليه ذلك: «حیّاً»۱. إذن الظاهر أنّ سبب اختيار التعريف المتقدّم للحيّ والحياة هو محاولة إيجاد تعريف جامع بين الشاهد والغائب، وقياس الغائب على الشاهد.

ولم يختلف المرتضى مع المعتزلة كثيراً حول هذا التعريف، حيث عرّفوا الحياة أيضاً بنفس التعريف المتقدّم۲.

وقد أشار القاضي عبد الجبّار إلى التحليل المتقدّم آنفاً حول سبب اختيار هذا التعريف، حيث قال: "وقد بيّنّا أنّ الغرض بقولنا: «إنّه يصحّ أن يقدر ويعلم» أنّ ذلك غير مستحيل فيه، فليس لأحد أن يقول: «إنّه تعالى يجب كونه قادراً، فلا يصحّ أن يقال فيه: إنّه يصحّ أن يعلم ويقدر»"۳. فهو بهذا الكلام يشير إلى أنّ المقصود من «عدم الصحّة» في تعريف الحياة هو «نفي الاستحالة»، وهو لا يتنافى مع وجوب القدرة؛ فهو يشير هنا بقوله: «غير مستحيل فيه» إلى ما يسمّيه علماء المنطق: «الإمكان العام»، والذي يعني سلب الضرورة من الطرف المقابل، وهو

1.. المرتضی، الملخّص، ص۸۲.

2.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الفرَق غير الإسلامية)، ج۵، ص۲۲۹.

3.. المصدر السابق.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1162
صفحه از 275
پرینت  ارسال به