141
الشريف المرتضى و المعتزلة

وجوب المعرفة ويخوَّفه من الخطر المحتمل الذي قد يواجهه إذا تركها۱. ومفاد هذا الكلام المُلقی أن يقال له: «إنّك تجد في نفسك آثار الصنعة، فلا تأمن أن يكون لك صانع صنعك، ودبّرك وأراد منك معرفته ليفعل الواجب عليك في عقلك وينتهي عن القبيح. وأنت تجد في عقلك قبح أفعالٍ فيها لك نفع عاجل، ووجوب أفعالٍ عليك فيها مشقّة عاجلة، وتعلم استحقاق الذمّ على القبيح، وأنّ الذمّ ممّا يغمّك ويضرّك، فلا تأمن كما استحققت به الذمّ وإن انتفعتَ به عاجلاً أن تستحقّ به العقاب والآلام». ومعلوم أنّ أحد الاستحقاقين أمارة للاستحقاق الآخر، ثم يقال له: «فمتى لم تعرف الله سبحانه وتعالى بصفاته، وأنّه قادر على مجازاتك على العقاب [بالقبيح]، كنتَ إلى فعل القبيح أقرب ومن تركه أبعد، وإذا عرفته تكون من فعل القبيح أبعد ومن تركه أقرب»۲. و في الحقیقة هذه الطريقة خاصّة ببعض الناس، وليست عامّة.

إذن ليس «الخاطر» إلّا طريقة لحصول الخوف في حال عدم توّفر الطريقتين السابقتين، وكلّ الطرق الثلاث ليست إلّا طرقاً لحصول الخوف في حالة افتراضية، وهي أن يعيش الإنسان بعيداً عن المجتمعات البشرية وحيداً منفرداً، وبذلك ستكون طريقة «الخاطر» قليلة الجدوى، رغم أنّ المرتضى والمعتزلة أولوها أهميّة خاصّة۳.

ولم نعثر في موضوع وجوب المعرفة على اختلاف كبير بين المرتضى ومعتزلة البصرة، فيبدو أنّه كان متأثّراً بهم.

۵. برهان إثبات المُحدِث

يمرّ هذا البرهان بمرحلتين:

الأولى: إثبات حدوث الأجسام.

1.. المرتضى، الذخيرة، ص۱۷۱-۱۷۲؛ المرتضى، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الرازية)، ج۱، ص۱۲۸.

2.. المرتضى، الذخيرة، ص۱۷۶.

3.. المصدر السابق، ص۱۷۲؛ القاضي عبد الجبّار، المغني (النظر والمعارف)، ج۱۲، ص۳۸۶ - ۴۳۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
140

قال أبو هاشم الجبّائي - الخوف من الضرر إذا ترك النظر، والأمل في دفع ذلك الضرر إذا فَعَل النظر۱.

وبما أنّ الباعث نحو النظر في معرفة الله تعالى هو الخوف من التعرّض للضرر، فلابدّ من معرفة العوامل المساعدة على تحقّق هذا الخوف. يرى المرتضى أنّ العامل الرئيسي لتحقّق الخوف عند الإنسان هو أنّ مَن يَحيى بين الدعاة إلى الله تعالى وأصحاب الشرائع ومثبتي النبوّات الذين يحذّرون من النار والعقاب الدائم فيها بسبب إهمال المعرفة، ويرغّبون الناس من خلال الوعد بالثواب الجزيل الدائم، أنّ من يكون هكذا لابدّ أن يخاف من ترك المعرفة، فالعقلاء يخافون من تحذيرٍ أقلّ من هذا المقدار بكثير، فكيف إذا كان بهذا المقدار۲. وهذه الطريقة في حصول الخوف تحصل لدى معظم الناس، لكن إذا افترضنا فرضاً أنّ شخصاً كان يعيش وحيداً في مكان ناءٍ عن المجتمعات البشرية فما هو السبيل لحصول الخوف عنده، حتّى يحاول رفعه من خلال المعرفة بالله تعالى؟ يجيب المرتضى باقتراح عدّة طرق:

أوّلاً: أن يدعوه داع، ويخوَّفه مخوَّف۳، ويشير إليه بالأمارات القائمة في عقله، فيؤدّي به إلى الخوف.

ثانياً: وهذه الطريقة تحصل لبعض الأشخاص النابهين، وأصحاب العقول السليمة، وهي أن يمتلك الإنسان قدرة ذاتية على التفكير في أحوال نفسه، فيشاهد آثار الصنعة فيها وأمارات النِعم عليه، فيتنبّه إلى احتمال وجود خالق له تجب معرفته، وأنّه قد يؤدّي ترك معرفته إلى الخطر والضرر، فيتحرّك نحو النظر.

ثالثاً: إن لم تتحقّق الطريقتان الأوليان فهناك طريقة ثالثة مقترحة وهي المعروفة ب «الخاطر»، وتعني أن يقوم الله تعالى بإلقاء كلامٍ داخل سمع المكلّف ينبّهه فيه على

1.. المرتضى، الذخيرة، ص۱۶۷.

2.. المصدر السابق، ص۱۷۱.

3.. أي داع ومخوِّف واحد أو اثنین مثلاً قد يصادفهم في مكانه النائي، لا مجموعة كبيرة من الدعاة إلى اللّٰه، وأصحاب الشرائع، ومثبتي النبوات، كي لا يكون تكراراً للطريقة السابقة.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1184
صفحه از 275
پرینت  ارسال به