115
الشريف المرتضى و المعتزلة

إشكال ركبوا ظهور مطاياهم وشدّوا الرحال إلى المدينة أو مكّة - إن كان وقت موسم الحجّ - حيث يكون الإمام موجوداً، فيلتقون به ويسألونه عن كلّ ما بدا لهم من أسئلة أو إشكالات۱. إذن لقد كان الإمام هو الملجأ الأوّل والأخير للإمامية، فيلجأون إليه عندما تعوزهم الحاجة. ولقد قرّر هشام بن الحكم هذه الطريقة بصورة صريحة عند مناظرته لأبي الهذيل العلّاف، حيث قال له أبو الهذيل قبل بدء المناظرة: «أناظرك على أنّك إن غلبتني رجعتُ إلى مذهبك، وإن غلبتك رجعتَ إلى مذهبي». فقال هشام: «ما أنصفتني، بل أناظرك على أنّي إن غلبتك رجعتَ إلى مذهبي، وإن غلبتني رجعتُ إلى إمامي»۲.

وبعد بدء التضييق على الأئمّة علیهم السّلام ومحاولة عزلهم عن قواعدهم الشعبية إمّا بالسجن - كما في حالة الإمام الكاظم علیه السّلام - أو من خلال جعلهم تحت رقابة الدولة مباشرة - كما في حالة الأئمّة الذين جاؤوا بعد الإمام الكاظم علیه السّلام - ، وذلك من خلال إحضارهم إلى عواصم الدولة العبّاسية المؤقّتة أو الدائمية (مرو، وبغداد، وسامراء)، أقول: بعد التضييق على الأئمّة علیهم السّلامصار الاتّصال المباشر بهم، وسؤالهم مشافهة أمراً عسيراً جدّاً، ولهذا أصبح الاتّصال بهم يتمّ من خلال المكاتبات والرسائل۳. كما كان هناك طريق آخر كان موجوداً في السابق بصورة ضعيفة، لكنّه اكتسب أهميّة أكبر في هذه المرحلة، وهو طريق الوكلاء والعلماء والمحدّثين من أصحاب الأئمّة علیهم السّلام، فقد أرجع الأئمّةُ الشيعةَ إليهم ليأخذوا منهم معالم دينهم۴.

1.. انظر قصة هشام بن الحكم مع الديصاني (الكليني، الكافي، ج۱، ص۶۲)؛ وغير ذلك من الأسئلة المباشرة التي كان يطرحها أصحاب الأئمّة علیهم السّلام.

2.. الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، ص۴۳. «وقد حكى ابن حجر عن عليّ بن إسماعيل المِيثمي شيئاً قريباً من هذا، فقال في ترجمته: عليّ بن مِيثم العوفي أحد الرافضة، حكى عنه النظّام، قال: كنّا نكلّمه فيذكر ما يذهب إليه، فنقول: أرأيٌ أو سماع؟ فينكر أن يكون يقول شيئاً من رأيه» (ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، ج۴، ص۲۶۵).

3.. الكليني، الكافي، ج۱، ص۷۵.

4.. انظر حالة إرجاع الأئمّة علیهم السّلام إلى زكريّا بن آدم القمّي (الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج۲۷، ص۱۴۶)؛ ويونس بن عبد الرحمن (المصدر السابق، ص۱۴۷).


الشريف المرتضى و المعتزلة
114

الخبر المتواتر هو كونه غائباً عن الحواسّ، فكلّ شيء كان غائباً عن الحواسّ فالعلم به اكتسابي، ومنه العلم بالبلدان البعيدة والوقائع التاريخية الكبيرة۱.

أمّا المرتضى فقد توقّف، ولم يجزم بأحد الرأيين، وقام بمناقشة رأي كلا الفرقتين المتقدّمتين من خلال نقد جميع أدلّتهم التي أقاموها۲. وبذلك جوّز المرتضى أن يكون العلم بالبلدان والوقائع الكبيرة ضرورياً واكتسابياً، لكنّه قدّم لنا ملاكاً للمعرفة الاكتسابية، وهي أن تكون محلّ اختلاف بين العقلاء، فكلُّ ما اختلف فيه العقلاء - مثل معجزات النبي صلی الله علیه و آله، أو النصّ على أمير المؤمنين علیه السّلام - فالعلم به علم اكتسابي، بينما ما لم يختلف فيه العقلاء - كالعلم بالبلدان والوقائع - فيجوز فيه أن يكون ضرورياً أو اكتسابياً۳. فالملاك الذي قدّمه المرتضى لاكتسابية المعرفة أخصّ من الملاك الذي قدّمه الشيخ المفيد.

وینبغي الإشارة هنا إلی أنّ المرتضی قد ذهب إلى حجّية الخبر المتواتر في البحوث الكلامية العقائدية، كما ذهب المعتزلة إلى ذلك، لكنْ هناك فرق بينهما، فمحتوى الأخبار المتواترة التي آمن بها المرتضى تختلف عن تلك التي آمن بها المعتزلة؛ فإنّ الأخبار التي آمن بها المرتضى مأخوذة من الأخبار التي نقلها الشيعة عن النبي صلی الله علیه و آله وأهل البيت علیهم السّلام بالتواتر، بينما الأخبار التي اعتمد عليها المعتزلة فهي الأخبار المنقولة عن النبي صلی الله علیه و آله من خلال الصحابة والتابعين وتابعيهم وهكذا، بصورة متواترة. وهذا أحد العوامل التي أدّت إلى ابتعاد المرتضى عن المعتزلة أحياناً، واتّخاذه موقفاً معارضاً لهم.

ثالثاً: الإجماع

لقد دأب الإمامية خلال فترات مختلفة من التاريخ على التواصل مع أئمّة أهل البيت علیهم السّلام بطرق وأساليب متعدّدة، ففي عصر الحضور كان كلّما طرأ علیهم سؤال أو

1.. المفید، أوائل المقالات، ص۸۸- ۸۹.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۴۵- ۳۴۹.

3.. المصدر السابق، ص۴۰۶.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1119
صفحه از 275
پرینت  ارسال به