وحيث هناك شواهد تؤيّد هذا الاحتمال فهو جديرٌ بالتدقیق، فلأجل ذلك حريّ بنا شرح معنى «الخطبة»، آملاً أن لا تكون إطالة بلا فائدة تعین بحثنا.
هل تُطلق «الخطبة» على الحِكَم القصيرة أيضاً؟
الاستعمالات الدالّة على المعنى العامّ للخطبة:
«جاء أعرابي إلى النبي صلی الله علیه و آله فقال: يا رسول اللَّه! علّمني عملاً يُدخلني الجنّة، فقال: لئن كنتَ أقصرتَ الخُطبة لقد أعرضتَ المسألة...»۱. وهناك رواية أُخرى مثلها.۲
«قلتُ لأبي جعفر علیه السّلام:... أخبرني بدينك الذي تدين اللّٰه - عز وجلّ - به أنت وأهل بيتك، لأدين اللّٰه عز و جل به. قال: إن كنت أقصرت الخُطبة فقد أعظمت المسألة...»۳.
يُحكى أنّ عدداً من الأشخاص كانوا یصفون المطر للحجّاج، فجاء رجل ووصفه بجملة واحدة: «أصابتني سحابة بحلوان فلم أزل أَطَأ في إِثرها حتّى دخلت على الأمير، فقال الحجّاج: لئن كنت أقصرهم في المطر خُطبةً، إنّك أطولهم بالسيف خُطوةً»۴.
1.. مسند أحمد بن حنبل، ج۱۴، ص۲۳۴؛ السنن الكبرى، ج۱۰، ص۲۷۳؛ صحيح ابن حبان، ج۲، ص۹۸؛ المستدرك على الصحيحين، ج۲، ص۲۱۷؛ مسند الروياني، ج۱، ص۲۴۳؛ الأمالي الخميسية، ج۲، ص۱۷۳؛ و قال الزمخشري في معنى الحديث: "أي جئت بالخُطبة قَصيرةً، و بالمسألة عَريضةً واسعةً" الفائق في غريب الحديث، ج۳، ص۱۰۵.
2.. و هي أن رجلا سأل النبي صلی الله علیه و آله: دُلَّنِي على عمل يدخلني الجنّة و ينجيني من النار. قال: "بخٍّ بخًّ، لئن كنت قصّرت في الخطبة، لقد أبلغت في المسألة. افقه إذا، تعبد اللّٰه، لا تشرك به شيئاً، و تقيم الصلاة و تؤدي الزكاة، و تحج البيت، و تصوم رمضان" مسند أحمد بن حنبل، ج۱۸، ص۴۵۱. و يُحتمل اتّحاد هذه الرواية مع الرواية السابقة، لكنّ تكرار هذه القصّة أيضاً ممكن، فيمكن أن تكون غير الرواية السابقة، و بالتالي هي قرينة أُخرى على استعمال الكلمة في الكلام القصير أيضاً.
3.. الكافي، ج۳، ص۶۲ لكن ربما كانت "الخطبة" في هذه الشواهد بكسر الخاء تشبيهاً بخِطبة النساء.كما هو الموجود في بعض نُسَخ الكافي. و إن كانت في رؤية بعضهم بضمّ الخاء. راجع: مرآة العقول، ج۷، ص۱۱۴؛ الوافي، ج۴، ص۹۴. بل اعتبر المجلسي احتمال كسرها تكلّفا.
4.. حلية الأولياء، ج۴، ص۳۲۷ و باختلاف يسير في سير أعلام النبلاء، ج۴، ص۳۱۷ و باختلاف في الفائق في غريب الحديث، ج۱، ص۱۰۰؛ و لا يُحتمل في هذا الشاهد أن تكون الخطبة بكسر الخاء، لعدم وجود حاجة في كلام الرجل - كما يبدو من القصّة - حتّى نقول بتشبيهها بخِطبة النساء. فالظاهر أن الخطبة في الشواهد السابقة أيضاً بالضمّ، لشباهة سياقها في "تقصير الخطبة".