99
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

وقيل : من زهد في الدنيا أربعين يوماً وأخلص فيها العبادة ، أجرى اللّه على لسانه ينابيع الحكمة في ۱ قلبه وانطق بها لسانه ۲ .
ولمّا قال حارثة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا مؤمن حقّاً فقال : «ما حقيقة إيمانك؟» قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فاستوى عندي حجرها وذهبها ، فكأنّي بالجنّة والنار وكأنّي بعرش ربّي بارزاً . فقال صلى الله عليه و آله : «فالزم ، هذا عبد نوَّرَ اللّه قلبه بالإيمان » ۳ .
ثمّ لا يخفى أنّ هذا العالم عالم الموت والجهالة ، وللهيكل ۴
الإنساني من الحياة وغيرها إنّما هو رشح أو انعكاس من الجواهر المتعلّقة به ضرباً من التعلّق وجواهر النفوس من عالم الآخرة والحياة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : « وَ مَا هَـذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْأَخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ » ۵ .
قال عليه السلام : يا هشام ! ثمّ خوّف الذين لا يعقلون . [ ص۱۴ ح۱۲ ]
أقول : إشارة إلى قصّة قوم لوط إذ غضب اللّه عليهم ونجّى منهم لوطاً وأهله أجمعين إلاّ عجوزاً في الغابرين ثمّ دمّرنا الباقين . ۶
وذكر هذه القصّة لتخويف مشركي أهل مكّة وغيرهم من الغافلين ، معناه يا أهل مكّة إنّكم لتمرّون عليهم على منازلهم في متاجرهم إلى الشام ؛ فإنّ السدوم واقع في طريقه « مصبحين » أي داخلين في الصباح ؛ و « بالليل » أي مساءا أو نهاراً وليلاً ، ولعلّها واقعة قريب منزلة تمرّ بها المرتحل فيها صباحاً ، والمقاصد لها مساءا « أفلا

1.في المصادر : «من» .

2.ما نقله مضمون حديث رُوي في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج۱ ، ص۷۴ ، ح۳۲۱ ؛ مسند الشهاب ، ج۱ ، ص۲۸۵ ، ح۴۶۵ ؛ نهج السعادة ، ج۷ ، ص۳۴۳ .

3.الكافي ، ج۲ ، ص۵۳ باب حقيقة الإيمان واليقين ، ح۲ ؛ المحاسن ، ج۱ ، ص۲۴۶ ، ح۲۴۷ ؛ بحار الأنوار ، ج۲۲ ، ص۱۲۶ ، ح۹۸ .

4.كذا ، والظاهر : «الهيكل » .

5.العنكبوت (۲۹) : ۶۴ .

6.إشارة إلى الآيتين ۱۷۱-۱۷۲ من سورة الشّعراء ، و ۱۳۵-۱۳۶ من سورة الصافّات .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
98

وبين كونها خطابيّة أو جدليّة أو مشاغبيّة كما لا يخفى .
واعلم أنّ الآيات والأخبار في فضيلة الزهد وذمّ الدنيا كثيرة ، وقد نبّه اللّه سبحانه على دثور الدنيا ووهنها وخسّتها وبطلانها بأن مثّلها تارةً بالسراب في أرضٍ « بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْئانُ مَآءً » ۱ ، وتارةً بالظلمات ۲ ، وتارةً ببيت العنكبوت ۳ ، وتارة بالأحلام والمنامات ۴ .
وقال : « وَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَ جًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقَى » ۵ .
وقال في وصف الكفّار : « ذَ لِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا عَلَى الْأَخِرَةِ » ۶ ، فبدلالة المفهوم يظهر اتّصاف المؤمن بنقيضه ، فيستحبّ الآخرة على الدنيا .
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من زهد في الدنيا ، أثبت اللّه الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، أخرجه من الدنيا سالماً إلى دار السلام » ۷ .
وهو أيضاً يدلّ بالمفهوم على أنّ البصير بعيوب الدنيا هم الحكماء .
وعنه عليه السلام : « جعل الخير كلّه في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا ». ۸
وعنه عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له ». ۹

1.النور (۲۴) : ۳۹ .

2.إشارة إلى الآية ۶۳ من سورة النمل (۲۷) : « أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِى ظُـلُمَـتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ ) .

3.إشارة إلى الآية ۴۱ من سورة العنكبوت (۲۹) : « مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ» .

4.إشارة إلى الآية ۴۴ من سورة يوسف (۱۲) : « أَضْغَـثُ أَحْلَـمٍ» .

5.طه (۲۰) : ۱۳۱ .

6.النحل (۱۶) : ۱۰۷ .

7.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۲۸ ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ... ، ح ۱ ؛ الفقيه، ج ۴ ، ص ۴۱۰ ، ح ۵۸۹۰.

8.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۲۸ ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ... ، ح ۲ ؛ نور الثقلين ، ج۳ ، ص۵۲۱ ، ح۲۲۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۶ ، ص ۱۲ ، ح ۵ .

9.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۲۹ ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ... ، ضمن ح ۸ ؛ مسند أحمد ، ج۶ ، ص۷۱ ؛ مكارم الأخلاق ، ص ۴۴۷ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6678
صفحه از 476
پرینت  ارسال به