وقيل : من زهد في الدنيا أربعين يوماً وأخلص فيها العبادة ، أجرى اللّه على لسانه ينابيع الحكمة في ۱ قلبه وانطق بها لسانه ۲ .
ولمّا قال حارثة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا مؤمن حقّاً فقال : «ما حقيقة إيمانك؟» قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فاستوى عندي حجرها وذهبها ، فكأنّي بالجنّة والنار وكأنّي بعرش ربّي بارزاً . فقال صلى الله عليه و آله : «فالزم ، هذا عبد نوَّرَ اللّه قلبه بالإيمان » ۳ .
ثمّ لا يخفى أنّ هذا العالم عالم الموت والجهالة ، وللهيكل ۴
الإنساني من الحياة وغيرها إنّما هو رشح أو انعكاس من الجواهر المتعلّقة به ضرباً من التعلّق وجواهر النفوس من عالم الآخرة والحياة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : « وَ مَا هَـذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْأَخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ » ۵ .
قال عليه السلام : يا هشام ! ثمّ خوّف الذين لا يعقلون . [ ص۱۴ ح۱۲ ]
أقول : إشارة إلى قصّة قوم لوط إذ غضب اللّه عليهم ونجّى منهم لوطاً وأهله أجمعين إلاّ عجوزاً في الغابرين ثمّ دمّرنا الباقين . ۶
وذكر هذه القصّة لتخويف مشركي أهل مكّة وغيرهم من الغافلين ، معناه يا أهل مكّة إنّكم لتمرّون عليهم على منازلهم في متاجرهم إلى الشام ؛ فإنّ السدوم واقع في طريقه « مصبحين » أي داخلين في الصباح ؛ و « بالليل » أي مساءا أو نهاراً وليلاً ، ولعلّها واقعة قريب منزلة تمرّ بها المرتحل فيها صباحاً ، والمقاصد لها مساءا « أفلا
1.في المصادر : «من» .
2.ما نقله مضمون حديث رُوي في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج۱ ، ص۷۴ ، ح۳۲۱ ؛ مسند الشهاب ، ج۱ ، ص۲۸۵ ، ح۴۶۵ ؛ نهج السعادة ، ج۷ ، ص۳۴۳ .
3.الكافي ، ج۲ ، ص۵۳ باب حقيقة الإيمان واليقين ، ح۲ ؛ المحاسن ، ج۱ ، ص۲۴۶ ، ح۲۴۷ ؛ بحار الأنوار ، ج۲۲ ، ص۱۲۶ ، ح۹۸ .
4.كذا ، والظاهر : «الهيكل » .
5.العنكبوت (۲۹) : ۶۴ .
6.إشارة إلى الآيتين ۱۷۱-۱۷۲ من سورة الشّعراء ، و ۱۳۵-۱۳۶ من سورة الصافّات .