119
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

الشَّكُورُ » ۱ و حكي عن إبليس أنّه قال : « وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـكِرِينَ » ۲ يعني المؤمنين بالحقيقة .
وأمّا قوله تعالى : « وَ قَلِيلٌ مَّا هُمْ » ۳ فإنّه لما قال بعد قوله : « إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ » ۴ دلّ صريحاً على أنّ المؤمن العامل بمقتضى إيمانه القلبي لا لأجل شيء آخَرَ ليس في العالم إلاّ قليلاً ، وذلك لأنّه مرتبة عالية يصل الإنسان بها إلى مراتب الملائكة المقرّبين ، والفطرة البشريّة قاصرة عن بلوغها إلاّ بموهبة خاصّة من قِبَله تعالى لبعض الصفوة من عباده ؛ لأنّ الداعي إلى الدنيا كثيرة ، وهي : الحواسّ الظاهرة والباطنة ـ وهي عشرة ـ ، والشهوة والغضب ، والقوى الطبيعيّة السبعة ، والمجموع تسعة عشر ، وكلّها واقفة على باب جهنّم ، الطبيعة البدنيّة التي هي كأنّها شعلة من نار السعير ، وكلّها يدعو القلب إلى الدنيا واللذّات الحسّيّة .
وأمّا الداعي إلى الحقّ والدين ، فليس إلاّ العقل الخالص عن هذه الشوائب ، وليس ذلك إلاّ بتوفيقه تعالى ، ولأجل أنّ الحكمة المعبّر عنها بالإيمان أمر موهبيّ ، قال تعالى : « ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » ۵ . فقد بان أنّ أهل الخير والكمال في الدنيا قليل ، وأهل الشرّ والنقص كثير .
ثمّ اختلفوا في ذلك الرجل الذي كان من أهل فرعون ، فقيل : إنّه كان ابن عمّه جارياً مجرى وليّ العهد ومجرى صاحب الشركة .
وقيل : كان قبطيّاً من قوم فرعون ، وكان من أقاربه .
وقيل : كان من بني إسرائيل ۶ .

1.سبأ (۳۴) : ۱۳ .

2.الأعراف (۷) : ۱۷ .

3.ص (۳۸) : ۲۴ .

4.البقرة (۲) : ۲۷۷ .

5.الحديد (۵۷) : ۲۱ .

6.تفسير الثعلبي ، ج۸ ، ص۲۷۲ ؛ الصافي ، ج۶ ، ص۳۰۲ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
118

والوصول إليها ، ولا شكّ أنّ من ادّعى علماً ولم يعلمه ، عُدّ سفيهاً مذموماً ، فالأكثر داخلون في هذه المذمّة ، فالحمد راجع إلى اللّه ولمن آتاه من لدنه علماً .
قال : « ولئن سألتهم » . [ ص۱۵ ح۱۲ ]
أقول : أهل التفسير على أنّه لما بيّن اللّه تعالى ـ فيما سبق من آيات التوحيد ـ للمشرك ولعدم انتفاعه بسوء استعداده ، أعرض عنه ، وخاطب المؤمن بقوله : « يا عبادي ۱ الذين آمنوا » ۲ ـ مثلاً ـ إنّ السيّد إذا كان له عبدان أحدهما مطيع دون الآخر ، وبعد ما خاطبه ولم يسمع ، يعرض عنه ويلتفت إلى المطيع : بأنّ هذا لا يستحقّ الخطاب ، فاسمع أنت ، ولا تكن مثله؛ فيتضمّن هذا الكلام نصيحة المصلح وزجر المفسد ، فإنّ قوله : «هذا لا يستحقّ الخطاب» يوجب نكابةً في قلبه .
ثمّ إذا ذكر مع المصلح في أثناء الكلام ـ والمفسد يسمعه ـ أنّ ذاك العبد مثلك أنّه يعلم قبح عقله ، ويعرف الفساد من الصلاح ، ويسلك سبيل الرشاد لم يعلم بصدور ، هذا نوع من البلاغة في الكلام .
قال : « من عبادي الشكور » . [ ص۱۵ ح۱۲ ]
أقول : الشكر ليس قولَ القائل : «الشكر للّه » أو ما يجري مجراه ، بل عبارة عن صرف العبد جميع ما أنعمه اللّه عليه فيما خُلِق لأجله . وهذا مرتبة عظيمة يندرج فيها العلم باللّه وصفاته وأفعاله ، وأنّ النعمَ والخيراتِ كلّها صادرة عنه ، ويندرج فيه العلم بالقيامة والنشأة الآخرة للنفس ورجوعها إليه تعالى ، ثمّ العمل بمقتضى العلم والمجاهدة مع الهوى الأمّارة بالسوء في طريق السير إليه وتهذيب الأخلاق والسيّئات الدنيّة ، وبالجمع بين العلم والعمل .
وهذا من المقامات العالية القليلة الوقوع في العباد كما قال : « وَ قَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِى

1.وقد تقرأ في المخطوطة : «بارئ» .

2.العنكبوت (۲۹) : ۵۶ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6641
صفحه از 476
پرینت  ارسال به