هذا داعياً لهم إلى التهاون بالدين والجرأة على المعصية ، فإذا كان غرض الوعظ الزجرَ عن المعصية ثمّ أتى بفعل يوجب الجرأة عليها ، فكأنّه جمع بين متناقضين وذلك ينافي أفعال العقلاء فقال : « أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » .
وقال عليه السلام : « قصم ظهري رجلان : عالم يتهتّك ، وجاهل متنسّك » ۱ .
قال عليه السلام : يا هشام ذمّ اللّه الكثرة . [ ص۱۵ ح۱۲ ]
أقول : هذا مع ما سبق من قوله : « ذمّ اللّه الذين لا يعقلون » يدلاّن بحسب المفهوم على أنّ العقلاء من الناس قليلون ، وهم محمودوا لعاقبة دون غيرهم ، فالقولان بمنزلة القياس من الشكل الثاني ؛ لاشتراكهما في المحمول وهو «المذموم» هكذا : الكثير مذموم ، والعاقل غير مذموم ، ينتجان أن ليس العاقل بذميم ولا كثيرٍ ، والجهّال كثيرون مذمومون ، وإليه الإشارة بقوله : « قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ» ۲ كما يرشد إليه قوله : « وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ » ۳ .
هذه الآية كما تدلّ على أنّ أكثر الناس على الجهالة والضلالة ، كذلك تدلّ على أنّ الهدى والرشد في عدم اتّباع ما عليه الجمهور من حيث هم عليه ، فلو فرض ما عليه الجمهور حقّاً ، فإنّما بحسب القبول والاتّباع إذا علم صدق ذلك بدليلٍ ، لا مجرّدِ كونهم عليه ، فالمتّنع حينئذٍ هو الدليل العقلي أو النصّ لا قولهم ليكون تقليداً .
قال عليه السلام : « وَ لَـئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـوَ تِ وَ الْأَرْضَ » ۴ . [ ص۱۵ ح۱۲ ]
أقول : دلّت بحسب المفهوم على أنّ أكثر الناس يقولون ما لا يعلمون ، وأنّهم لا يؤمنون باللّه قلباً واعتقاداً بل لساناً واعترافاً ، وذلك لأنّ كونه تعالى خالقَ السماوات والأرض مسألة نظريّة لا تعلم إلاّ بمقدّمات علميّة ، وأكثر الناس بمعزل عن نيلها