117
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

هذا داعياً لهم إلى التهاون بالدين والجرأة على المعصية ، فإذا كان غرض الوعظ الزجرَ عن المعصية ثمّ أتى بفعل يوجب الجرأة عليها ، فكأنّه جمع بين متناقضين وذلك ينافي أفعال العقلاء فقال : « أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » .
وقال عليه السلام : « قصم ظهري رجلان : عالم يتهتّك ، وجاهل متنسّك » ۱ .

قال عليه السلام : يا هشام ذمّ اللّه الكثرة . [ ص۱۵ ح۱۲ ]
أقول : هذا مع ما سبق من قوله : « ذمّ اللّه الذين لا يعقلون » يدلاّن بحسب المفهوم على أنّ العقلاء من الناس قليلون ، وهم محمودوا لعاقبة دون غيرهم ، فالقولان بمنزلة القياس من الشكل الثاني ؛ لاشتراكهما في المحمول وهو «المذموم» هكذا : الكثير مذموم ، والعاقل غير مذموم ، ينتجان أن ليس العاقل بذميم ولا كثيرٍ ، والجهّال كثيرون مذمومون ، وإليه الإشارة بقوله : « قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ» ۲ كما يرشد إليه قوله : « وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ » ۳ .
هذه الآية كما تدلّ على أنّ أكثر الناس على الجهالة والضلالة ، كذلك تدلّ على أنّ الهدى والرشد في عدم اتّباع ما عليه الجمهور من حيث هم عليه ، فلو فرض ما عليه الجمهور حقّاً ، فإنّما بحسب القبول والاتّباع إذا علم صدق ذلك بدليلٍ ، لا مجرّدِ كونهم عليه ، فالمتّنع حينئذٍ هو الدليل العقلي أو النصّ لا قولهم ليكون تقليداً .
قال عليه السلام : « وَ لَـئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـوَ تِ وَ الْأَرْضَ » ۴ . [ ص۱۵ ح۱۲ ]
أقول : دلّت بحسب المفهوم على أنّ أكثر الناس يقولون ما لا يعلمون ، وأنّهم لا يؤمنون باللّه قلباً واعتقاداً بل لساناً واعترافاً ، وذلك لأنّ كونه تعالى خالقَ السماوات والأرض مسألة نظريّة لا تعلم إلاّ بمقدّمات علميّة ، وأكثر الناس بمعزل عن نيلها

1.الدرّ النظيم ، ص۳۸۶ ؛ تفسير الرازي ، ج۳ ، ص۴۷ ؛ منية المريد ، ص۱۸۱ .

2.العنكبوت (۲۹) : ۶۳ .

3.الأنعام (۶) : ۱۱۶ .

4.لقمان (۳۱) : ۲۵ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
116

وقيل : كانوا يأمرون الناس بالصلاة والزكاة وهم كانوا يتركونها . والبرّ جامع لأقسام الخير ۱ .
وقيل : نزلت في اليهود وكانوا قبل مبعث الرسول صلى الله عليه و آله يأمرون الناس باتّباعه قبل ظهوره ، فإذا بعث لم يتّبعوه ۲ . قوله : « وَ أَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَـبَ » ۳ أنسبُ بهذا أي تقرؤون نعت محمّد صلى الله عليه و آله في كتابكم .
وعلى القولين المراد به القرآن أو مطلق الكتب التي فيها الأحكام العقليّة والحثّ على أفعال البرّ والإعراض عن أفعال الإثم .
وقوله : « أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » ۴ تعجّب من أفعالهم المنافية للعقل ، كما في قوله تعالى : « أُفٍّ لَّكُمْ وَ لِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » ۵ .
وسبب التعجّب وجوه :
أحدها : أنَّ المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرشاد الغير إلى ما فيه الصلاح ، والتحذير عمّا فيه الفساد ، ورعاية ذلك في النفس أولى من رعايتهما في غيرها ، فمن وعظ ولم يتعّظ ، فكأنّه أتى بفعل متناقض ، فلذلك قال : « أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » .
والثاني : أنّ من وعظ فلابدّ أن يبالغ في ذلك حتّى يؤثّر في القلوب ، فإذا لم يتأثّر في نفسه ، فله الإقدام على المعصية ممّا ۶ القلوب عن العقول ۷ ، فمن وعظ وأقدم على المعصية، فلعلّه أراد الجمع بين متناقضين ، ولا يليق ذلك بالعقلاء « أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » .
الثالث : أنّ من وعظ وأظهر علمه للناس ولم يتّعظ ، وزجرهم ولم ينزجر ، فيصير

1.البقرة (۲) : ۴۴ .

2.تفسير الرازي ، ج۳ ، ص۴۶ .

3.تفسير ابن أبي حاتم ، ج۱ ، ص۱۰۱ ، ح۴۷۷ ؛ أسباب النزول ، للواحدي ، ص۱۴ .

4.تتمّة الآية ۴۴ من سورة البقرة .

5.الأنبياء (۲۱) : ۶۷ .

6.كذا .

7.قد يقرأ : «المعقول».

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6644
صفحه از 476
پرینت  ارسال به