111
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

ولكنّ الحقّ في هذا المقام القول بالتفصيل بعد الاستفسار بأن يقال أوّلاً : هل المراد منها العقليّتان أوالحسّيّتان ؟ وعلى الأخير هل المراد حالهما بالقياس إلى نفسهما ، أو بالقياس إلى النفس التي تستعملهما ؟ وعلى الثاني بالقياس إلى الحيوان مطلقاً ، أو بالقياس إلى الإنسان خاصّة ؟ وعلى الثاني من جهة دنياه ، أو من جهة اُخراه ؟ وعلى [ الثاني ] من جهة العلم ، أو من جهة العمل ؟ وفي هذه النشأة ، أو في النشأة الآخرة ، ثمّ يقاس بينهما في واحد من الأقسام ، فيظهر عند ذلك أنّ الحكم بالأفضليّة على الإطلاق لواحد منهما بخصوصه على صاحبه غير صحيح كما لا يخفى على من له صحّة البصيرة .

قال عليه السلام : وقال « أم تحتسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون » ۱ . [ ص۱۵ ح۱۲ ]
أقول : لعلّه ۲ يظهر سرّه بتمهيد مقدّمة هي أنّ الإنسان مركّب من جوهرين : روح ، وبدن ، قد يقع التخالف بينهما في هذه النشأة ، وذلك لكونه قابلاً لاكتساب الملكات والأخلاق ، فإنّ من فعل فعلاً أو تكلّم بكلام ، جُعل منه في نفسه أثر وحال يبقى زماناً ، وإذا تكرّرت الأفاعيل من باب واحد ، استحكمت الآثار في النفس فصارت الحال ملكةً وصورةً ، فيصدر منها بسببها الأفعال بسهولة من غير رويّة وحاجة إلى تجشّم كسب جديد بعد ما لم يكن كذلك .
وإليه الإشارة في باب الملكة العلميّة بقوله تعالى : « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » ۳ .
ومن هذا الوجه يحصل تعلّم الصنائع والمكاسب العلميّة ، ولو لم يكن هذا التأثّر والتلاحق للنفس الإنسانيّة في الاشتداد فيها يوماً فيوماً ، لم يمكنها تعلّم شيء من الحِرَف والصنائع ، وما لم ينجع فيها التأديب والتهذيب ، لم يكن في تأديب الأفعال

1.الفرقان (۲۵) : ۴۴ .

2.المخطوط : «لعلّ» .

3.النور (۲۴) : ۳۵ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
110

باستماع كلامهم ، فالمسموع أفضل من المرئيّ ؟
فوجب بهذه الوجوه كون السمع أفضل من البصر .
ومنهم من قال : إنّ البصر أفضل من السمع بوجوه :
الأوّل : في المَثَل المشهور أن « ليس الخبر كالمعاينة » وأن « ليس وراء العيان بيان » ، وذلك يدلّ على أنّ أكمل وجوه الإدراك البصر .
الثاني : أنّ عجائب حكمة اللّه في تخليق العين التي هي محلّ الإبصار أكثر من عجائب تخليقه في الاُذن التي هي محلّ الأسماع ، وأنّه جعل تمام الزوج الواحد من الأزواج السبعة الدماغية من العصب آلةً للإبصار ، وركّب العين من سبع طبقات وثلاث رطوبات ، وجعل لحركات العين عضلات كثيرة على اُصول مختلفة ، والاُذن ليس كذلك . وكثرة العناية في تخليق الشيء يدلّ على كونه أفضل من غيره .
الثالث : آلة القوّة الباصرة هي النور ، وآلة القوّة السامعة هي الهواء ، والنور أشرف من الهواء ، فالباصرة أفضل من السامعة .
الرابع : أنّ البصر ۱ ما فوق سبع سماوات ، والسمع ۲ لا يدرك ما بُعده منه على فرسخ ، فكان البصر أقوى وأفضل .
وهذا الوجه مدافع لقولهم : إنّ السمع يدرك من جميع الجوانب والبصر لا يدرك إلاّ من جانب واحد .
الخامس : أنّ كثيراً من الناس يسمع كلام اللّه في الدنيا ، واختلفوا في أنّه هل يراه أحد فيها ، وأيضاً أنّ موسى عليه السلام سمع كلاماً من غير سبق سؤال والتماس ، ولما سأل الرؤية « قَالَ لَن تَرَانِى » ۳ وغير ذلك ۴ .

1.خ . ل : «الباصرة» .

2.خ . ل : «السامعة» .

3.الأعراف (۷) : ۱۴۳ .

4.تفسير الرازي ، ج۱۷ ، ص۱۰۱ ـ ۱۰۲ وفيه من قوله : «ثمّ لا يخفى أنّ ابن قتيبة احتجّ على أنّ السمع أفضل من البصر» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6651
صفحه از 476
پرینت  ارسال به