إسماع الآيات الإلهيّة غير ممكن لمن بلغ قلبه إلى هذه المرتبة من القساوة .
ثمّ لا يخفى أنّ ابن قتيبة احتجّ على أنّ السمع أفضل من البصر بهذه الكريمة حيث قرن تعالى بذهاب السمع ذهاب العقل ولم يقرن بذهاب البصر ، فالسمع أفضل .
وقد زيّفه ابن الأنباري بأنّ الذي نفاه اللّه تعالى من السمع هاهنا بمنزلة ما نفاه من البصر ؛ لأنّه أراد بصائر القلوب لا أبصار العيون ، والذي تبصره القلوب هو الذي يعقله .
وذكر في هذا المقام دلائل اُخرى :
منها : أنّ ذكر السمع والبصر أينما وقع في القرآن فإنّه في الأغلب قدّم السمع على البصر .
ومنها : أنّ العمى قد وقع في حقّ الأنبياء عليهم السلام ، وأمّا الصمّ فغير جائز لأنّه يخلّ بأداء الرسالة .
ومنها : أنّ السمع يدرك من جميع الجوانب دون البصر .
ومنها : أنّ الإنسان يستفيد العلم من المعلّم ولا يمكن ذلك إلاّ بالسمع ، ولا يتوقّف على البصر .
ومنها : أنّه قال : « إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ » ۱ فجعل السمع قريباً للعقل لأنّه المراد من القلب . ويؤكّده أيضاً قوله : « لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـبِ السَّعِيرِ » ۲ فجعلوا السمع سبباً للخلاص من عذاب السعير .
ومنها : أنّ امتياز الإنسان عن سائر الحيوان بالنطق والكلام ، وإنّما ينتفع به السامعة لا الباصرة فمتعلّق ۳ السمع النطق الذي به شرف الإنسان ، ومتعلّق البصر الألوان والأشكال ، وذلك أمر مشترك بينه وسائر الأجسام .
ومنها : أنّ الأنبياء عليهم السلام يراهم الناس ويسمعون ، ولا يثبت نبوّتهم برؤيتهم بل