101
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

وهي أنّ اللّه جعل في هذه السورة الآية في نوح وإبراهيم عليهماالسلام بالنجاة حيث قال : « فَأَنجَيْنَـهُ وَ أَصْحَـبَ السَّفِينَةِ وَ جَعَلْنَـهَآ ءَايَةً لِّلْعَــلَمِينَ » ۱ وقال : « فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأَيَـتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » ۲ وجعل هاهنا الهلاك آيةً ، والنكتة هي أنّ الآية في إبراهيم عليه السلام كانت نجاتَه من النار ؛ لكون صيرورة النار برداً وسلاماً أمراً إلهيّاً عجيباً ، ولم يكن في ذلك الوقت إهلاك لأحد ، وأمّا في نوح عليه السلام فلأنّ الإنجاء من الطوفان ـ وهو ملاء الجبال بأسرها ـ أمر عجيب إلهيّ وما به النجاة ـ وهو السفينة ـ كان باقياً ، والفرق لم يبق لمن بعده أثر ، فجعل الباقي آية، وأمّا هاهنا فنجاة لوط عليه السلام لم يكن بأمر يبقى أثره للحسّ ، والهلاك أثره محسوس في البلاد ، وهناك السفينة .
وهاهنا لطائف اُخرى :
إحداها : وهي أنّ قدرة اللّه تعالى موجودة في الإنجاء والإهلاك ، فذكر من كلّ باب آيةً ، وقدّم الإنجاء ؛ لأنّها أثر الرحمة على ما هو دأبه من تقديم الرحمة على الغضب .
وثانيتها : قال : « السَّفِينَةِ وَ جَعَلْنَـهَآ ءَايَةً » ۳ ولم يقل بيّنة ؛ لأنّ الإنجاء بالسفينة ربّما يقع في وهم جاهل أنّها لا تفتقر إلى شيء آخر إلهيّ، وأمّا الآية هاهنا ـ وهي الخسف وجعل ديار معمورة عاليها سافلها ـ فهو ليس بمعتادٍ ، فلا يدفعه من الاعتراف بأنّه من أمر اللّه .
وثالثتها : أنّه قال هناك: « لِّلْعَــلَمِينَ » ۴ وقال هاهنا: « لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » ۵ ؛ لأنّ السفينة موجودة في جميع أقطار العالم ، فعند كلّ قوم مثال لسفينة نوح يتذكّرون بها حاله ، وإذا ركبوا فيها ، يطلبون من اللّه النجاة ، ولا يثق أحد بمجرّد السفينة بل يكون دائماً مرتجفَ القلب ، متضرّعاً إلى اللّه طلباً للنجاة . وأمّا أثر الهلاك في هذه البلاد ، ففي مواضع

1.العنكبوت (۲۹) : ۳۵ .

2.العنكبوت (۲۹) : ۱۵ .

3.العنكبوت (۲۹) : ۲۴ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
100

تعقلون » ۱ أي فليس معكم عاقل أو فيكم ذو عقل حتّى تعتبروا هذه الآية الظاهرة الجليّة .

قال عليه السلام : وقال : « إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ » ۲ . [ ص۱۴ ح۱۲ ]
أقول : أيضاً متعلّقة بقصّة لوط لمّا ذكر سبحانه « إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَـبِرِينَ » ۳ عقّب هذه البشارة بتنجيته وقومه ببشارة اُخرى هي إنزال الرجز على أعدائه.
واختلفوا في ذلك فقال بعضهم : حجارة ، وقيل : نار ، وقيل : خسف .
وعلى هذا لايكون عينه من السماء ، وإنّما يكون مبدؤه أو القضاء به من السماء بل أكثر هذه الاُمور ليست أعيانها نازلة من السماء ، بل حقائقها ومباديها الموجودة في عالم القضاء ثمّ السماء نزلت إلى الأرض في كلّ عالم بصورة تناسبه كما اُشير إليه آنفا ، وإنّ كلام الملائكة مع لوط عليه السلام على نمط كلامهم مع إبراهيم عليه السلام قدّموا البشارة له على الإنذار والتخويف لقومه حيث قالوا : « إِنَّا مُنَجُّوكَ » ۴ ثمّ قالوا : « إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ » ولم يعلّلوا النتيجة بشيء كما علّلوا الإنذار بقولهم : إنّهم « كَانُواْ يَفْسُقُونَ » ۵ ، فما قالوا : إنّا منجّوك لأجل نبيّ مثلاً ، ولعلّ النكتة في ذلك أنّ الرحمة بالذات لا تعليل لها بل ذاته تعالى هو مبدؤها والغضب عرضي إنّما ينشأ بسبب .
وقوله: « وَ لَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ ءَايَة بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » ۶ أي تركنا من القرية ـ وفيها الماء الأسود ، وهي بين القدس والكرك ـ آيةً واضحة ليعتبرها أهل العقل دقيقةً قرآنيّةً ،

1.الصافّات (۳۷) : ۱۳۷ ـ ۱۳۸ .

2.العنكبوت (۲۹) : ۳۴ .

3.العنكبوت (۲۹) : ۳۳ .

4.العنكبوت (۲۹) : ۳۵ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6676
صفحه از 476
پرینت  ارسال به