اختصاص له باُولي الألباب بل يعمّهم وغيرَهم بخلاف التذكّر ؛ لاختصاصه بهم .
ثمّ لا شبهة في أنّ الغرض الأصلي من التدبّر والنظر في الآيات إنّما هو حصول العلم واليقين ، وهو مختصّ باُولي الألباب ، فظهر أنّ غاية الإنزال ليس إلاّ هؤلاء ، وفيه من المدح ما لا يخفى .
قال عليه السلام : « وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الهُدى » ۱ . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : المستفاد في كثير من الآيات ـ التي ذكر فيها مع الكتاب «الهدي» أو «الذكر» أو «الحكمة» كما في قوله : « وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـبَ وَ الْحِكْمَةَ » ۲ وقولِه : « وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ » ۳ «والنُور» كما في قوله : « قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتَـبٌ مُّبِينٌ » ۴ وقوله : « إِنَّـآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ » ۵ وقولِه : « وَءَاتَيْنَـهُ الاْءِنجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ » ۶ ـ أنّ أهل الكتاب وتعلُّمِهِ قوم ، وأهلَ الهدى والذكر والحكمة والنور قوم آخَرُ أجلُّ رتبةً وأعلى درجةً من أهل الكتاب .
وهذه الألفاظ معانيها اُمور متخالفة بالاعتبار ، متّحدة بالذات ، فالمراد من أهل الكتاب في قوله : « يَـأَهْلَ الْكِتَـبِ » ۷ أينما وقع في القرآن هم عامّة العلماء الظاهرين ، وأمّا أهل الهدى والذكر ، وأصحابُ الحكمة والنور ، واُولوا البصائر والألباب ، فهم الخاصّة من العلماء وأهل التأويل ، والراسخون في العلم ، فهؤلاء ، علماء الآخرة وأهل اللّه وأهل القرآن خاصّةً واُولو بقيّة اللّه في أرضه ، وأهل الكتاب فهم علماء الدنيا الراغبون في مالها وجاهها .