123
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

وسيلة للخلق على الحقّ سبحانك تنزيهاً لك في حقّيّتك عن الشبه بخلقيّتك ۱ ، والاحتياج إلى بريّتك ، فقنا ـ يا مستغني عنّا ـ عذاب النار نارَ قهرك وقطيعتك .
وأمّا دلالتها على مدح اُولي الألباب ، فهي ظاهرةٌ لأنّ معرفة الآيات والحِكَم التي في العالم والاطّلاع على دقائق الصنع وعجائب الفطرة التي في خلق الموجودات السماويّة والأرضيّة ممّا لا يحصل إلاّ في قليل من النفوس الذكيّة الزكيّة القدسيّة ؛ لأنّ الناظر المتأمّل فيها يحتاج إلى زيد تجريد للعقل ، وتطهير للنفس ، وتهذيب للخاطر عن الوساوس العاديّة وتصفية للفكر عن الأخلاط الوهميّة ، وانقطاع عن الشوائب الحسّيّة ولابدّ له أيضاً من فهم لطيف ، وطبع مشتغل ذكيّ وفكر دقيق ، وقلب نورانيّ كالقنديل الذي فيه السراج وإنّما الآيات آيات بالقياس إلى مثلهم لا بالقياس إلى أهل القساوة ، وهم أكثر الخلق ، ولا بالقياس إلى المعرضين عن الحكمة والنظر في آيات اللّه ، وهم أهل الجحود كما يشير إليه قوله تعالى : « وَ كَأَيِّن مِّنْ ءَايَةٍ فِى السَّمَـوَ تِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَ هُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ » ۲ .
فالفائز بمعرفة الآيات والحِكَم التي فيها مترقٍّ إلى درجة الملائكة المقرّبين والأبرار العلّيّين ، والمعرض عنها نازل إلى منزلة الفجّار والشياطين في سجّين ، قوله تعالى : « أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَـبِ » ۳ هذا من قبل قوله : « هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ » ۴ فإنّ العالم بصير والجاهل أعمى ؛ لأنّ الإنسان مركّب من جوهرين : بدن ونفس ، والأوّل من عالم المُلك والشهادة ، والثاني من عالم الغيب والملكوت.
ولكلّ منهما أجزاء وقوى بما فيه مثال للآخَر بحسب الفطرة لكن قوى البدن متفرّقة

1.كذا ، والظاهر : «بخليقتك».

2.يوسف (۱۲) : ۱۰۵ .

3.الرعد (۱۳) : ۱۹ .

4.الأنعام (۶) : ۵۰ وغيرها .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
122

العلم وإتقان العمل من يشاء ۱ . وتأخر المفعول الأوّل للاهتمام بالمفعول . ومن يؤتي الحكمة بناؤه للمفعول ، أي إيتاء الحكمة هو المقصود . و « من » في محلّ رفع على الابتداء ؛ كذا أفيد .
وقوله تعالى : « وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الْأَلْبَـبِ » ۲ : أي وما يتفكّر . التفكّر كالتذكّر لما أودع في جوهر قلبه القدسي من الحكمة بالقوّة الاستعداديّة .
قال عليه السلام : وقال : « إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـوَ تِ وَالْأَرْضِ » ۳ . [ ص۱۵ ح۱۲ ]
أقول : تنزيله وتفسيره على الظاهر ظاهر ، وعلى الباطن ـ كما عليه سبيل أهل الإشارة ـ هو أنّه تعالى أخبر عن خلق السماوات والأرض وأحوالها ليدلّ على أنّ في خلق سماوات الأرواح وأطوارها وخلق النفوس وقرارها وتسفّلها في المركز البدنيّ واختلاف ليل البشريّة وظلماتها ونور الروحانيّة وأنوارها لآياتٍ بيّناتٍ ، وأماراتٍ ودلالاتٍ واضحاتٍ لاُولي الألباب ، وهم الذين عبّروا بـ « قد » في الذكر ، والذكر عن قشر الوجود الظلماني الفاني إلى لبّ الوجود الروحاني النورانيّ الباقي ، فشاهدوا بعيون البصائر ونواظر الضمائر أنّ لهم وللعالم إلهاً قيّوماً قادراً حيّاً عليماً سميعاً بصيراً متكلّماً حكيماً ، له الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وإنّما نالوا هذه المرتبة العليّة ؛ لأنّهم يذكرون اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم .
وهي عبارة عن جميع حالات الإنسان أي يذكرون على كلّ حال بالظاهر والباطن، ويتفكّرون في خلق السماوات ، وهي الأفلاك الدوّار والأرض ، وهي الكرة الأرضيّة ساكنة معلّقة في وسطها ، وأنّه كيف خلق فيها الكواكب والسيّارات ، فخلق بتأثيرها وخواصّها في الأرض المعادنَ والنباتات والحيوانات بتدبيرات متناسبات .
ويقولون : « رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـذَا بَـطِلاً » ۴ أي خلقتَه بالحقّ إظهاراً للحقّ على الخلق

1.راجع : جامع البيان للطبري ، ج۳ ، ص۱۲۴ ـ ۱۲۵ ؛ تفسير الرازي ، ج۷ ، ص۷۳ .

2.البقرة(۲) : ۲۶۹ .

3.آل عمران (۳) : ۱۹۰ .

4.آل عمران (۳) : ۱۹۱ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6637
صفحه از 476
پرینت  ارسال به