113
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

جهة السافل .
ثمّ لا يخفى أنّه قد يقع في هذه النشأة أيضاً تحوّلات باطنيّة ، وتصوّرات نفسانيّة ، وتقلّبات روحانيّة إمّا على وجه الترقّي ، أو على وجه الاعوجاج أو الانتكاس .
وفي الخبر في صفة قومٍ من المنافقين : «إنّهم إخوان العلانية لا إخوان السريرة ، ألسنتهم أحلى من العسل ، قلوبهم قلوب الذئاب ، يلبسون للناس جلود الضأن ۱ من اللين» ۲ ، فهذا هو مسخ الباطن أن يكون قلبه قلب ذئب ، وصورته صورة إنسان ، واللّه العاصم من هذه القواصم .
وبالجملة ، لما كان موطن القيامة موطن ظهور البواطن ، يحشر الناس على صورتيّاتهم وملكاتهم يوم القيامة كما دلّ عليه حديث الحارثة الأنصاري ، وربّما يشغل بعضَ المكاشفين مشاهدةُ صورة ذلك الموطن الاُخروي عن مشاهدة صورة الموطن الدنيوي على عكس حال المحجوبين الذين هم يشغلهم مشاهدة الصورة الدنيويّة عن مشاهدة الصورة الاُخرويّة كما نقل عن بعض أرباب المكاشفة أنّه دخل عليه ذات يوم واحدٌ من أهل السوق وكان مستغرقاً في حاله ، فلمّا نظر إليه ، قال لخادمه : أَخْرِج هذا الحمار ! فلم يكن ير منه إلاّ صورة الحمار ، ثمّ بعد أن زال عن هذه الحال ، أخبره الخادم بما جرى ، فقال : ما قلتُ إلاّ ما رأيتُ .
ثمّ إنّ ذلك لعدم تمام قوّته وإحاطته بالجانبين ونظره بالعينين : اليمنى واليسرى جميعاً ، وأمّا الكامل ، فهو على الحدّ المشترك بين العالَمَيْن ، ويشاهد النشأتين ، فلا تحجبه إحداهما عن الاُخرى .
ثمّ بما قرّرنا لعلّه ظهر سرّ قوله تعالى : « أُوْلَـئِكَ كَالأَْنْعَـمِ » ۳ « فَمَثَلُهُ كَمَثَل

1.في المخطوطة : «جلود الضالّون » . وما أدرجناه ممّا استفادنا من الروايات.

2.لاحظ : سنن الترمذي ، ج ۴ ، ص ۳۰ ، ح ۲۵۱۵ ؛ تحفة الأحوذي ، ج ۷ ، ص ۷۱-۷۲ ؛ العهود المحمّديّة ، ص ۶۷۹.

3.الأعراف (۷) : ۱۷۹ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
112

وتمرينهم الأعمال فائدة ، فتلك الآثار ـ أعني الأحوال ـ تصير ملكات ، والملكة ـ أي الخلق الباطن ـ صورة الباطن كما أنّ الخَلق والخُلق قد يتخالفان في بعض الناس ، فترى الظاهر بشراً والباطنَ قد تحوّل وصار بهيمة أو سبعاً أو شيطاناً ، وهذا هو المسخ ، وإنّ أمر سائر الحيوان والأفلاك والكواكب على خلاف ذلك ؛ حيث إنّ ظواهرها تطابق بواطنها وأرواحها بخلاف أمر الإنسان كما عرفته .
ثمّ إنّ القيامة لما كانت موطن بروز الحقائق بصورها الذاتيّة بلا التباس وتدليس كما في الدنيا ، فيحشر بعض الناس على صورة القردة أو الخنازير أو الكلاب .
إذا تمهّد هذا فنقول : لعلّ اللّه تعالى نبّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله على هذا السرّ يعني أنّ الذي يفارق به الإنسان غيره من الحيوان كالبهائم والأنعام هو إدراك ما يخرج عن عالم الحواسّ ، فمن لم ينل ذلك وقنع بالمحسوسات ولم يترقّ من عالم المحسوسات إلى المعقولات ، فهو الذي أهلك نفسه ، وأبطل قوّة استعداده بالإعراض عنها ، فنزل إلى درجة البهائم واُفق الأنعام وترك الترقّي إلى الملاء الأعلى ، وكان كافرَ النعمة عليه ومتعرّضاً لسخطه ونقمته ، وذلك ۱ كما قال : « بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » ۲ لأنّ البهائم والأنعام ما أبطلت استعدادها ، وما أضلّها عن سبيلها التي كانت عليها ، ولعلّه ۳ أشار إليه بقوله : « مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ » ۴ .
وأيضاً البهيمة تتخلّص بالموت ، وهذه النفوس الضالّة باقية بعد الموت إلاّ أنّها منكوسة الرؤوس إلى أسفل سافلين كما في قوله تعالى : « وَ لَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ » ۵ فتبيّن أنّهم عند ربّهم إلاّ أنّهم منكوسون منحوسون ، انقلبت وجوههم إلى أقفيتهم ، وانتكست رؤوسهم عن العالي وناحية العالي إلى

1.الفرقان (۲۵) : ۴۴ .

2.في المخطوطة : «لذلك».

3.في المخطوطة : «لعلّ» .

4.هود (۱۱) : ۵۶ .

5.السجدة (۳۲) : ۱۲ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6657
صفحه از 476
پرینت  ارسال به