439
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.بها علمُه وأتْقَنَها صُنعه وأحصاها حفظُه ، لم يَعْزُبْ عنه خَفِيّاتُ غيوب الهواء ، ولا غَوامِضُ مكنونِ ظُلَمِ الدُّجى ، ولا ما في السماوات العُلى إلى الأرضين السُفلى ، لكلّ شيءٍ منها حافظٌ ورقيبٌ ، وكلُّ شيءٍ منها بشيءٍ محيطٌ ، والمحيطُ بما أحاطَ منها .

وقوله: (لكنّه سبحانه أحاط بها علمُه) أي لكنّه قريب من الأشياء بالإحاطة العلميّة، وإتقانِ الصنع والإيجاد لها بقرب العلّيّة والمعلوليّة، وإحصاءِ ۱ حفظه لها، وعدِّه إيّاها، فلا يفوت حفظه شيء منها كما لا يفوت العادَّ شيء من المعدودات وإدامة إفاضة الوجود عليها، لم يعزب عنه ما يخفى ويغيب عن غيره؛ لفقدان شرط ظهوره على غير خالقه من خفيّات غيوب الهواء، ولا غوامض مكنون ظُلَم الدُجى، ولا ما في السماوات العُلى إلى الأرضين السفلى المخفيّة للبُعد، أو توسّط الحجب الكثيفة، أو اللطافة عن أبصار الناظرين.
قوله: (لكلّ شيء منها حافظ ورقيب).
الظرف خبر لقوله: «حافظ ورقيب» أو متعلّق بقوله: «حافظ» وهو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير؛ هو لكلّ شيء منها حافظ ورقيب.
وقوله: (وكلّ شيء منها بشيء محيط) أي كلّ شيء منها محيط بشيء خاصّ منها إحاطةَ وساطةِ الحفظ والسببيّة، أو إحاطةَ الاطّلاع، والمحيط بما أحاط منها كلّ شيء كلّها وجميعها. أو المراد المحيط بكلّ محيط من هذه الأشياء هو الواحدُ بلا تعدّد، الأحَدُ بلا مشارك له في الحقيقة لتعيّنه بحقيقته الأحديّة، فلا يتعدّد بالأفراد، ولا يشاركه غيره في ذاتيّ الصمد المستجمع لجميع كمالاته اللائقة بذاته الأحديّة الذي لا يتصوّر فيه التغيّر، ولا تغيّره ۲ تغيّرات الأزمان، ولا يتصوّر اتّصافه بالتغيّرات والحركات و ولا يتكأّده ولا يشقّ عليه صنعُ شيء من الأشياء كان، وحصل بتكوينه. إنّما قال لما شاء وأراد: كن، فكان وحصل.

1. في «خ»: «أحصاها».

2. في «خ، ل»: «لا يغيّره».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
438

۰.الأمثالُ ، كَلَّ دونَ صفاته تَحْبِيرُ اللغاتِ ، وضَلَّ هناك تصاريفُ الصفات ، وحارَ في ملكوته عَمِيقاتُ مذاهبِ التفكيرِ ، وانْقَطَعَ دونَ الرسوخ في علمه جوامعُ التفسيرِ ، وحالَ دونَ غيبه المكنون حُجُبٌ من الغيوب ، تاهَتْ في أدنى أدانيها طامِحاتُ العقولِ في لطيفات الأُمورِ .
فتَبارَكَ اللّه الّذي لا يَبلُغُه بُعْدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُه غَوْصُ الفِطَنِ ، وتَعالى الذي ليس له وقتٌ معدودٌ ، ولا أجَلٌ ممدودٌ ، ولا نعتٌ محدودٌ ، سبحانَ الذي ليس له أوَّلٌ مُبتَدَأٌ ، ولا غايةٌ مُنْتَهًى ، ولا آخِرٌ يَفْنى ، سبحانَه ، هو كما وَصَفَ نفسَه ، والواصفونَ لا يَبلُغون نَعْتَه ، وحَدَّ الأشياءَ كُلَّها عند خَلْقِه إبانَةً لها من شِبهه ، وإبانةً له من شِبهها ، لم يَحْلُل فيها فيقالَ : هو فيها كائنٌ ، ولم يَنْأ عنها فيقالَ : هو منها بائنٌ ، ولم يَخْلُ منها فيقالَ له : أينَ ، لكنّه سبحانه أحاطَ

ولعلّ قوله: «ليس له أوّل» إلى قوله: «يفنى» ناظر إلى قوله: «ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود».
ولا يبعد أن يكون قوله: «ولا آخِرٌ يفنى» ناظرا إلى قوله: «ولا نعت محدود» وما قبله؛ لأنّ كلّ ما هو محدود لم يكن بعد الخروج عن ذلك الحدّ، كما أنّ قوله: «سبحانه هو كما وصف نفسه» ناظر إليه.
وقوله: (حَدّ الأشياءَ كلَّها) أي حَدَّها وخَلَقها محدودةً لمباينة الأشياء له ومفارقتها من شبهه، ومباينته للأشياء ومفارقته من شبهها من حيث تقدّسه سبحانه من الحدّ، وانحصارِ بقعة الإمكان في التحدّد، ولا أقلَّ بالمهيّات المتحدّدة المتمايزة بذاتها عمّا يغايرها، فلم يحلّ في الأشياء، ولم يقرب منها قرب الحالّ من محلّه، وقربَ المتمكّن من مكانه ؛ لما لابدّ منه من مشاركة الحالّ للمحلّ والمتمكّن للمكان في صفات توجب المشابهة، ولم يبعد عن الأشياء بعدا يقابل ذلك القربَ، فيقالَ: هو منها بائن بينونةَ المقارنات بعضها من بعض، ولم يَخْلُ من الأشياء خلوَّ المحلّ عن الحالّ، أو المكان من المتمكّن، فيقالَ له: أين هو منها، وهذا القول بالنسبة إلى المكان حقيقي، وبالنسبة إلى المحلّ توسّعي.

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6332
صفحه از 672
پرینت  ارسال به