۰.فمِن شيءٍ صَنَعَ، واللّه لا مِن شيءٍ صَنَعَ ما خَلَقَ، وكلُ عالمٍ فمِن بَعْدِ جَهلٍ تَعَلَّمَ، واللّه لم يَجْهَلْ ولم يَتَعَلَّمْ ، أحاطَ بالأشياء علما قبلَ كونها ، فلم يَزْدَدْ بكونِها علما ، عِلْمُه بها قبلَ أن يُكَوِّنَها كعِلْمه بعد تكوينها ، لم يُكَوِّنْها لتشديد سلطانٍ ولا خوفٍ من زوالٍ ولا نُقصانٍ ، ولا استعانةٍ على ضدٍّ مُناوٍ ، ولا ندٍّ مُكاثِرٍ ، ولا شريكٍ مُكابِرٍ ، لكن خلائقُ مربوبونَ ، وعبادٌ داخِرونَ.
فسبحانَ الذي لا يؤوده خلقُ ما ابتدأ ، ولا تدبيرُ ما بَرَأ ، ولا مِن عَجْزٍ ولا مِن فَتْرَةٍ بما خَلَقَ اكتفى ، عَلِمَ ما خَلَقَ ، وخَلَقَ ما عَلِمَ ، لا بالتفكير في علمٍ حادِثٍ أصابَ ما خَلَقَ ،
لانكشافها، ولم يحصل فيه العلم من غيره؛ حيث لا يخلو عن مبدأ الانكشاف بذاته .
وحيث لا عالم بالذات غيرُه، وكلّ عالم ينتهي علمه إلى علمه سبحانه، أحاطَ بالأشياء علما قبل كونها، فلم يزدَدْ بكونها وحضورها العينيّ علما بها، عِلْمُه بها قبل تكوينها وبعد التكوين سواء، لم يكوّنها سبحانه لتشديد سلطان واستحكام السلطنة، ولا لخوف من زوال سلطانه، أو نقصانه، ولا للاستعانة على ضدٍّ مناوٍ يعاديه، ولاندٍّ ومثل معارض مقاوم يكاثره ويغالبه بالكثرة، ولا شريك مكابر يعارضه بالكبر، أو الإنكار للحقّ الظاهر، لكن كلّ ما يغايره سبحانه خلائق مربوبون، وعبادٌ داخرون، أذِلاّء صاغرون، فسبحان الذي لا يؤوده ولا يثقل عليه خلق ما ابتدأ بخلقه في تفرّده وتوحدّه سبحانه قبل حصول الكثرة، ولاتدبير كلّ ما برأ وخلق، ولا من عجز ولا فترة وضعف اكتفى بما خلق.
وقوله: (علم ما خلق ، وخلق ما علم) أي كلّ مخلوقاته معلوماتُه بعلمه بالخير والنظام الأعلى، وكلُّ معلوماته بذلك العلم مخلوقاتُه، فعلمه بالأشياء على وجه الصلاح والخيريّة هو الداعي إلى وجود الأشياء، فكلّ مخلوقاته داخل في هذا العلم، وكلّ معلوم بهذا العلم داخل في الوجود، فما لم يدخل في الوجود لعدم الداعي إلى وجوده، فالاكتفاء بما خلق عمّا لا يخلق للداعي على ما خلق، ولعدم الداعي على غيرها، لا لعجز ولا لضعف، لا بالتفكير ۱ في علم حادث أصاب ما خلق، بل بالمشيّة