441
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.فمِن شيءٍ صَنَعَ، واللّه لا مِن شيءٍ صَنَعَ ما خَلَقَ، وكلُ عالمٍ فمِن بَعْدِ جَهلٍ تَعَلَّمَ، واللّه لم يَجْهَلْ ولم يَتَعَلَّمْ ، أحاطَ بالأشياء علما قبلَ كونها ، فلم يَزْدَدْ بكونِها علما ، عِلْمُه بها قبلَ أن يُكَوِّنَها كعِلْمه بعد تكوينها ، لم يُكَوِّنْها لتشديد سلطانٍ ولا خوفٍ من زوالٍ ولا نُقصانٍ ، ولا استعانةٍ على ضدٍّ مُناوٍ ، ولا ندٍّ مُكاثِرٍ ، ولا شريكٍ مُكابِرٍ ، لكن خلائقُ مربوبونَ ، وعبادٌ داخِرونَ.
فسبحانَ الذي لا يؤوده خلقُ ما ابتدأ ، ولا تدبيرُ ما بَرَأ ، ولا مِن عَجْزٍ ولا مِن فَتْرَةٍ بما خَلَقَ اكتفى ، عَلِمَ ما خَلَقَ ، وخَلَقَ ما عَلِمَ ، لا بالتفكير في علمٍ حادِثٍ أصابَ ما خَلَقَ ،

لانكشافها، ولم يحصل فيه العلم من غيره؛ حيث لا يخلو عن مبدأ الانكشاف بذاته .
وحيث لا عالم بالذات غيرُه، وكلّ عالم ينتهي علمه إلى علمه سبحانه، أحاطَ بالأشياء علما قبل كونها، فلم يزدَدْ بكونها وحضورها العينيّ علما بها، عِلْمُه بها قبل تكوينها وبعد التكوين سواء، لم يكوّنها سبحانه لتشديد سلطان واستحكام السلطنة، ولا لخوف من زوال سلطانه، أو نقصانه، ولا للاستعانة على ضدٍّ مناوٍ يعاديه، ولاندٍّ ومثل معارض مقاوم يكاثره ويغالبه بالكثرة، ولا شريك مكابر يعارضه بالكبر، أو الإنكار للحقّ الظاهر، لكن كلّ ما يغايره سبحانه خلائق مربوبون، وعبادٌ داخرون، أذِلاّء صاغرون، فسبحان الذي لا يؤوده ولا يثقل عليه خلق ما ابتدأ بخلقه في تفرّده وتوحدّه سبحانه قبل حصول الكثرة، ولاتدبير كلّ ما برأ وخلق، ولا من عجز ولا فترة وضعف اكتفى بما خلق.
وقوله: (علم ما خلق ، وخلق ما علم) أي كلّ مخلوقاته معلوماتُه بعلمه بالخير والنظام الأعلى، وكلُّ معلوماته بذلك العلم مخلوقاتُه، فعلمه بالأشياء على وجه الصلاح والخيريّة هو الداعي إلى وجود الأشياء، فكلّ مخلوقاته داخل في هذا العلم، وكلّ معلوم بهذا العلم داخل في الوجود، فما لم يدخل في الوجود لعدم الداعي إلى وجوده، فالاكتفاء بما خلق عمّا لا يخلق للداعي على ما خلق، ولعدم الداعي على غيرها، لا لعجز ولا لضعف، لا بالتفكير ۱ في علم حادث أصاب ما خلق، بل بالمشيّة

1. في «خ»: «لا بالتفكّر».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
440

۰.الواحدُ الأحدُ الصمدُ الذي لا يُغَيِّرُهُ صروفُ الأزمانِ ، ولا يَتَكَأَّدُهُ صُنْعُ شيء كانَ ، إنّما قالَ لما شاء: كُن ، فكان، ابتَدَعَ ما خَلَقَ بلا مثال سَبَقَ، ولا تَعَبٍ ولا نَصَبٍ، وكلُّ صانع شيءٍ

ولعلّه عليه السلام أورد «كان» بدل ۱ «يكون» ولم يقل: «كن فيكون» تنبيها على تجرّد صيغة الماضي والمضارع في أمثال هذه البيانات عن الزمان؛ لتأخّره عن الخلق والإيجاد بمراتبَ. ابتدع وخلق لا من مادّة ما خلق مخترعا بلا مثال سبق.
وقوله: (ولا تعب ولا نصب) إمّا عطف على قوله: «مثال» و «لا» لتأكيد النفي، أو مستأنفٌ و «لا» لنفي الجنس، أي لا تعب ولا نصب في خلقه للأشياء.
و «التعب» ضدّ الاستراحة و «النصب» الإعياء، فإنّ التعب والاستراحة إنّما يكون فيما بالحركة، والإعياءَ إنّما يكون مع المشقّة وضعف الفاعل، وهو سبحانه فعّال بلا حركة، قويّ قادر على ما يفعله بلا مشقّة، من غير حاجة إلى آلة وتحريكها، كيف وكلّ متحرّك وفاعل بجارحة ومحتاجٍ إلى آلة مخلوقٌ ممكنٌ. وهو سبحانه مبدأ الممكنات وخالقها، متعالٍ عمّا يليق بالإمكان من الحاجة في صنعه بتحريك أو تحرّك .
وكلّ صانع شيء غيره سبحانه فصنعه من شيء ومادّة ينقلها من حالة إلى حالة؛ لأنّ فاعليّته إنّما هي بسببيّةٍ قريبة بالنسبة إلى تغيّر المادّة من حالة إلى حالة، لا بالإيجاد والإيجاب، وكيف يوجب ويوجد ما يكون عاريا من الوجوب؛ فإنّ الوجوب سابق على الوجود، فوجوبه بالحقيقة صفةُ موجِبِه لا صفتُه، والوجوب اللاحق إنّما هو بالنظر إلى اعتبار الوجود معه وبحسب هذا الاعتبار .
واللّه سبحانه أوجد الأشياء وصنعها بالإيجاب وأمر التكوين لا من شيء، وكلّ عالم بالأشياء فمن بَعد جهلٍ وخلوّ عن العلم تعلَّمَ وحصَلَ فيه من غيره، لكونه غيرَ عالم بذاته، وليس مبدأً لانكشاف الغير؛ لأنّه لا يقتضيه ولا يوجبه، واللّه تعالى لم يجهل، ولم يخلُ من مبدأ ۲ الانكشاف؛ فإنّه بإيجابه واقتضائه لما سواه مبدأ

1. في «خ، ل): «محلّ».

2. في «خ»: «مبدئيّة».

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6341
صفحه از 672
پرینت  ارسال به