۰.الأمثالُ ، كَلَّ دونَ صفاته تَحْبِيرُ اللغاتِ ، وضَلَّ هناك تصاريفُ الصفات ، وحارَ في ملكوته عَمِيقاتُ مذاهبِ التفكيرِ ، وانْقَطَعَ دونَ الرسوخ في علمه جوامعُ التفسيرِ ، وحالَ دونَ غيبه المكنون حُجُبٌ من الغيوب ، تاهَتْ في أدنى أدانيها طامِحاتُ العقولِ في لطيفات الأُمورِ .
فتَبارَكَ اللّه الّذي لا يَبلُغُه بُعْدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُه غَوْصُ الفِطَنِ ، وتَعالى الذي ليس له وقتٌ معدودٌ ، ولا أجَلٌ ممدودٌ ، ولا نعتٌ محدودٌ ، سبحانَ الذي ليس له أوَّلٌ مُبتَدَأٌ ، ولا غايةٌ مُنْتَهًى ، ولا آخِرٌ يَفْنى ، سبحانَه ، هو كما وَصَفَ نفسَه ، والواصفونَ لا يَبلُغون نَعْتَه ، وحَدَّ الأشياءَ كُلَّها عند خَلْقِه إبانَةً لها من شِبهه ، وإبانةً له من شِبهها ، لم يَحْلُل فيها فيقالَ : هو فيها كائنٌ ، ولم يَنْأ عنها فيقالَ : هو منها بائنٌ ، ولم يَخْلُ منها فيقالَ له : أينَ ، لكنّه سبحانه أحاطَ
ولعلّ قوله: «ليس له أوّل» إلى قوله: «يفنى» ناظر إلى قوله: «ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود».
ولا يبعد أن يكون قوله: «ولا آخِرٌ يفنى» ناظرا إلى قوله: «ولا نعت محدود» وما قبله؛ لأنّ كلّ ما هو محدود لم يكن بعد الخروج عن ذلك الحدّ، كما أنّ قوله: «سبحانه هو كما وصف نفسه» ناظر إليه.
وقوله: (حَدّ الأشياءَ كلَّها) أي حَدَّها وخَلَقها محدودةً لمباينة الأشياء له ومفارقتها من شبهه، ومباينته للأشياء ومفارقته من شبهها من حيث تقدّسه سبحانه من الحدّ، وانحصارِ بقعة الإمكان في التحدّد، ولا أقلَّ بالمهيّات المتحدّدة المتمايزة بذاتها عمّا يغايرها، فلم يحلّ في الأشياء، ولم يقرب منها قرب الحالّ من محلّه، وقربَ المتمكّن من مكانه ؛ لما لابدّ منه من مشاركة الحالّ للمحلّ والمتمكّن للمكان في صفات توجب المشابهة، ولم يبعد عن الأشياء بعدا يقابل ذلك القربَ، فيقالَ: هو منها بائن بينونةَ المقارنات بعضها من بعض، ولم يَخْلُ من الأشياء خلوَّ المحلّ عن الحالّ، أو المكان من المتمكّن، فيقالَ له: أين هو منها، وهذا القول بالنسبة إلى المكان حقيقي، وبالنسبة إلى المحلّ توسّعي.