189
میراث قرآنی ابان بن تغلب(141ق)

عَن بَعضِ أنبيائِهِ إذ قالَ: (يَرِثُنی و يَرِثُ مِن آلِ يَعقوبَ)۱

و فَصَّلَ فی بَرِيَّتِهِ الميراثَ مِمّا فَرَضَ مِن حَظِّ الذِّكارَةِ و الإناثِ، فَلِمَ سَوَّلَت لَكُم أنفُسُكُم أمراً؟ فَصَبرٌ جَميلٌ و اللّٰه المُستَعانُ عَلَى ما تَصِفونَ‏. قَد زَعَمتَ أنَّ النُّبُوَّةَ لا تُورَثُ و إنَّما يُورَثُ ما دونَها، فَما لی أُمنَعُ إرثَ أبی؟ أأنزَلَ اللّٰه فی کِتابِهِ: إلّا فاطِمَةَ بِنتَ مُحَمَّدٍ؟! فَدُلَّنی عَلَيهِ أقنَع بِهِ.

فَقالَ أبو بَكرٍ لَها: يا بِنتَ رَسولِ اللّٰه، أنتِ عَينُ الحُجَّةِ و مَنطِقُ الحِكمَةِ، لا أُدلی بِجَوابِکِ و لا أدفَعُکِ عَن صَوابِکِ، لَكِنَّ المِسلِمونَ بَينی و بَينِکِ، فَهُم قَلَّدونی ما تَقَلَّدتُ، و آتونی ما أخَذتُ و ما تَرَكتُ.

فَقالَت فَاطِمَةُ لِمَن بِحَضرَتِهِ: أتَجتَمِعونَ إلى المُقبِلِ بِالباطِلِ و الفِعلِ الخاسِرِ؟! لَبِئسَ ما اعتاضَ المُسلِمونَ و ما يَسمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إذا وَلَّوا مُدبِرينَ، أما و اللّٰه لَتَجِدَنَّ مَحمِلَها ثَقيلاً و عِبأها وَبيلاً، إذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ فَحينَئِذٍ لاتَ حينَ مَناصٍ، و بَدا لَكُم مِنَ اللّٰه ما كُنتُم تَحذَرونَ.

قالوا: و لَم يَكُن الرَّجُلُ۲ حاضِراً، فَكَتَبَ لَها أبو بَكرٍ كِتاباً إلى عامِلِهِ بِرَدِّ فَدَکٍ، فَأخرَجَتهُ فی يَدِها، و استَقبَلَها عُمَرُ فَأخَذَهُ مِنها و تَفَلَ فيهِ و مَزَّقَهُ، و قالَ: لَقَد خَرِفَ ابنُ أبی قُحافَةَ و ظَلَمَ، فَقالَت لَهُ: ما لَکَ؟ لا أمهَلَکَ اللّٰه تَعالى و قَتَلَکَ و مَزَّقَ بَطنَکَ؟!

و أتَت مِن فَورِها ذَلِکَ الأنصارَ، فَقالَت: مَعشَرَ النَّقيبَةِ و حِصنَةَ الإسلامِ، ما هَذِهِ الغَميزَةُ فی حَقّی و السُّنَّةُ عَن ظَلامَتی؟ أما كانَ رَسولُ اللّٰه أمَرَ بِحِفظِ المَرءِ فی وُلدِهِ؟ فَسُرعانَ ما أحدَثتُم و عَجلانَ ذا إهالَةٍ، أتَقولونَ ماتَ مُحَمَّدٌ فَخَطبٌ جَليلٌ استَوسَعَ وَهيُهُ و استَهتَرَ فَتقُهُ و فُقِدَ راتِقُهُ، فَأُظلِمَت الأرضُ لِغَيبَتِهِ، و اكتَأبَ خِيرَةُ اللّٰه لِمُصيبَتِهِ، و أُكِّدَتِ الآمالُ و خَشَعَتِ الجِبالُ و أُضيعَ الحَريمُ و أُزيلَتِ الحُرمَةُ بِمَوتِ مُحَمَّدٍ، فَتِلکَ نازِلَةٌ أعلَنَ بِها كِتابُ اللّٰه هُتافاً هُتافاً، و لَقَبِلَ ما خَلَت بِهِ أنبياءُ اللّٰه و رُسُلُهُ (وَ ما مَحَمَّدٌ إلّا رَسولٌ)۳ ـ الآية ـ أبَنی قَيلَةَ أُهضَمُ تُراثَ أبی و أنتُم بِمَرأى و مَسمَعٍ تَلبَسُكُمُ الدَّعوَةُ و يَشمَلُكُمُ الجُبنُ و فيكُمُ العُدَّةُ و العَدَدُ و لَكُمُ الدّارُ و الخِيرَةُ، و أنتُم أنجُبَتُهُ الَّتی امتَحَنَ،

1.. سورۀ مریم، آیۀ ۶.

2.. منظور از «الرجل»، خلیفهٔ دوم است.

3.. سورۀ آل‌عمران، آیۀ ۱۴۴.


میراث قرآنی ابان بن تغلب(141ق)
188

(إن تَرَکَ خَيراً الوَصيةُ لِلوالِدَينِ و الأقرَبينَ)،۱ فَزَعَمتُم أن لا حَظَّ لی و لا أرِثَ مِن أبی! أفَخَصَّكُمُ اللّٰه بِآيَةٍ أخرَجَ أبی مِنها؟! أم تَقولونَ أهلُ مِلَّتَينِ لا يَتَوارَثانِ‏؟ أو لَستُ أنا و أبی مِن مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟ أم أنتُم بِخُصوصِ القُرآنِ و عُمومِهِ أعلَمُ مِمَّنَ جاءَ بِهِ؟ فدونَكُموها مَرحولَةً مَزمومَةً تَلقاكُم يَومَ حَشرِكُم، فَنِعمَ الحَكَمُ اللّٰه، و نِعمَ الخَصيمُ مُحَمَّدٌ، و المَوعِدُ القيامَةُ، و عَمّا قَليلٍ تُؤفَكونَ، و عِندَ السّاعَةِ ما تَحصُرونَ، و لِكُلِّ نَبا مُستَقَرٌّ فَسَوفَ تَعلَمونَ مَن يَأتيهِ عَذابٌ يُخزيهِ و يَحِلُّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقيمٌ.

ثُمَّ التَفَتَت إلَى قَبرِ أبيها وتَمَثَّلَت بِأبياتِ صَفيَّةَ بِنتِ عَبدِ المُطَّلِبِ:

قَد كانَ بَعدَکَ أنباءٌ و هَنبَثَةٌلَو كُنتَ شاهِدَها لَم تَكثُرِ الخُطَبُ‏
إنّا فَقَدناکَ فَقدَ الأرضِ وابِلَهاوَ اجتُثَّ أهلُکَ مُذ غُيِّبتَ و اغتُصِبوا
أبدَت رِجالٌ لَنا فَحوَى صُدورِهِم‏لَمّا نَأيتَ و حالَت بَينَنا الكُثُبُ‏
تَهَجَّمَتنا لَيالٍ و استَخَفَّ بِنادَهرٌ فَقَد أدرَكوا مِنّا الَّذی طَلَبوا
قَد كُنتَ لِلخَلقِ نوراً يُستَضاءُ بِهِ‏عَلَيکَ تَنزِلُ مِن ذی العِزَّةِ الكُتُبُ‏
وَ كانَ جِبريلُ بِالآياتِ يُؤنِسُنافَغابَ عَنّا فَكُلُّ الخَيرِ مُحتَجَبٌ‏

فَقالَ أبو بَكرٍ لَها: صَدَقتِ يا بِنتَ رَسولِ اللّٰه، لَقَد كانَ أبوکِ بِالمُؤمِنينَ رَءوفاً رَحيماً، و عَلَى الكافِرينَ عَذاباً أليماً، و كانَ و اللّٰه إذا نَسَبناهُ وَجَدناهُ أباکِ دونَ النِّساءِ و أخا ابنِ عَمِّکِ دونَ الرِّجالِ، آثَرَهُ عَلَى كُلِّ حَميمٍ، و ساعَدَهُ عَلى الأمرِ العَظيمِ، و أنتُم عِترَةُ نَبِیِّ اللّٰه الطَّيِّبونَ و خِيَرَتُهُ المُنتَجَبونَ، عَلَى طَريقِ الجَنَّةِ أدِلَّتُنا، و أبوابُ الخَيرِ لِسالِكينا. فَأمّا ما سَألتِ فَلَکِ ما جَعَلَهُ أبوکِ، مُصَدَّقٌ قَولُکِ و لا أظلِمُ حَقَّکِ، و أمّا ما ذَکَرتِ مِنَ الميراثِ فَإنَّ رَسولَ اللّٰه قالَ: «نَحنُ مَعاشِرَ الأنبياءِ لا نُورَثُ».

فَقالَت فاطِمَةُ: يا سُبحانَ اللّٰه! ما كانَ رَسولُ اللّٰه قالَ مُخالِفاً و لا عَن‏ حُكمِهِ‏ صادِفاً، فَلَقَد كانَ يَلتَقِطُ أثَرَهُ و يَقتَفی سِيَرَهُ، أفَتَجمَعونَ إلَى الظُّلامَةِ الشَّنعاءِ و الغَلَبَةِ الدَّهياءِ اعتِلالاً بِالكَذِبِ عَلَى رَسولِ اللّٰه و إضافَةِ الحَيفِ إلَيهِ؟! و لا عَجَبَ إن كانَ ذَلِکَ مِنكُم و فی حَياتِهِ ما بَغَيتُم لَهُ الغَوائِلَ و تَرَقَّبتُم بِهِ الدَّوائِرَ، هَذا كِتابُ اللّٰه حَكَمٌ عَدلٌ و قائِلٌ فَصلٌ

1.. سورۀ بقره، آیۀ ۱۸۰.

  • نام منبع :
    میراث قرآنی ابان بن تغلب(141ق)
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد حسين مدني
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 21244
صفحه از 303
پرینت  ارسال به