الخوض في الأُمور الأصوليّة فنبّهه على أُمور يجرّه النظر وتأمّل الأدِلّة والشُّبُهات إليها دقيقة يُخافُ على الإنسان من الخوض فيها أن تضطرب عقيدته ، إلا أنه لم يجد به بدّا من تنبيهه على أُصول الديانة ، وإن كان كارها لتعريضه لخطر الشبهة ، فنبّهه على أُمور جملية غير مفصلة ، وأمره أن يلزم ذلك ولا يتجاوزه إلى غيره وأن يُمسك عما يشتبه عليه ، وسيأتي ذكر ذلك .
الأصْلُ:
۰.وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللّهِ وَالاْءقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللّهُ عَلَيْكَ ، وَالْأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ ، وَفَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ ، ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذلِكَ إِلَى الْأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا ، وَالاْءِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا ، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذلِكَ دُونَ أَنْ تَعَْلَمَ كَمَا عَلِمُوا ؛ فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذلِكَ بَتَفَهُّمٍ وَتَعَلُّمٍ ، لاَ بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ ، وَعُلَقِ الْخُصُومَاتِ . وَابْدَأ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذلِكَ بِالاِسْتِعَانَةِ بِإِلهِكَ ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ ، وَتَرْكِ كُلِّ شَائِبَةٍ أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَةٍ ، أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلاَلَةٍ ، فَإِنْ أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ ، وَتَمَّ رَأيُكَ فَاجْتَمَعَ ، وَكَانَ هَمُّكَ فِي ذلِكَ هَمّاً وَاحِداً ، فَانْظُرْ فِيَما فَسَّرْتُ لَكَ ؛ وَإِنْ أنت لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ ؛ وَفَرَاغِ نَظَرِكَ وَفِكْرِكَ ، فَاعْلَمْ أنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ ، وَتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ ، وَلَيْسَ طَالِبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَطَ ، وَالاْءِمْسَاكُ عَنْ ذلِكَ أَمْثَلُ .
الشّرْحُ:
أمره أن يقتصر على القيام بالفرائض ، وأن يأخذ بسنّة السَّلف الصّالح من آبائه وأهل بيته ؛ فإنّهم لم يقتصروا على التقليد ؛ بل نظروا لأنفسهم ، وتأمّلوا الأدلة ، ثم رجعوا آخر الأمر إلى الأخذ بما عرفوا ، والإمساك عمّا لم يكلّفوا .