211
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الأصْلُ:

۰.وَأمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ ، وَأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ ، وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ ، وَجَاهِدْ فِي اللّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَلاَ تَأْخُذْكَ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ . وَخُض الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ ، وَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ ، وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ ؛ وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُّرُ فِي الْحَقِّ!
وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلهِكَ ، فَإِنَّكَ تُلْجِؤُها إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ ، وَمَانِعٍ عَزِيزٍ . وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ ، فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ ، وَأَكْثِرِ الاِسْتِخَارَةَ ، وَتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي ، وَلاَ تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً ، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ ، وَلاَ يُنْتَفَعُ بِعِلْـمٍ لاَ يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ .

الشّرْحُ:

أمره أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهما واجبان عندنا ، وأحد الأُصول الخمسة التي هي أُصول الدين .
ومعنى قوله : «تكن من أهله» ؛ لأنّ أهل المعروف هم الأبرار الصالحون ، ويجب إنكار المنكر باللسان ، فإن لم ينجع فباليد .
قوله : «وخض الغمرات إلى الحق» لا شبهة أنّ الحسن عليه السلام لو تمكّنَ لخاضها إلاّ أن من فقد الأنصار لا حيلة له .
* وهل ينهض البازي بغير جناح *
والذي خاضها مع عدم الأنصار هو الحسين عليه السلام ، ولهذا عظُم عند الناس قدرُه .
فإن قلتَ : فما قول أصحابكم في ذلك؟
قلت : هما عندنا في الفضيلة سيّان ، أما الحسن فلوقوفه مع قوله تعالى : «إلاّ أن تَتّقُوا» ، وأمّا الحسين فلإعزاز الدين .
قوله : فنعم التصبّر ، قد تقدّم منّا كلام شافٍ في الصبر . وقوله : «وأكثر الاستخارة» ، ليس يعني بها ما يفعله اليوم قوم من الناس من سَطْر رقاع وجعلها في بنادق ، وإنما المراد أمره إياه


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
210

الْمَوْتِ ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ ، وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا ، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ الَّليَالِي وَالْأَيَّامِ ؛ وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ . وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ ، فَانْظُرْ فِيَما فَعَلُوا وَعَمَّا انْتَقَلُوا ، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا ! فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلوُا عَنِ الْأَحِبَّةِ ، وَحَلُّوا دارَ الْغُرْبَةِ ؛ وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ . فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ ، وَلاَ تَبِـعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ ؛ وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لاَ تَعْرِفُ ، وَالْخِطَابَ فِيَما لَمْ تُكَلَّفْ ؛ وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلاَلِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَالِ ۱ .

الشّرْحُ:

قوله عليه السلام : «وأيّ سبب أوثق» ؛ إشارة إلى القرآن لأنّه هو المعبّر عنه بقوله تعالى : «وَاعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعا وَلاَ تَفَرَّقُوا» ۲ . ثم أتى بلفظتين متقابلتين ، وذلك من لطيف الصنعة ؛ فقال : «أحيِ قلبك بالموعظة ، وأمته بالزَّهادة» ؛ والمراد إحياء دواعيه إلى الطاعة وإماتة الشهوات عنه . قوله عليه السلام : «وأعرض عليه أخبار الماضين» معنى قد تداوله الناس ، قال الشاعر :

سل عن الماضين إن نطقتعنهم الأجداث والتُّركُ
أيّ دار للبلى نزلواوسبيل للردى سَلَكُوا
قوله عليه السلام : «ودع القول فيما لا تعرف» من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «خذ ما تعرف ، ودع ما لا تعرف ، وعليك بخُوَيْصة نفسك» . قوله : «والخطاب فيما لم تكلّف» من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «مِنْ حُسْن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . قوله عليه السلام : «وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته» ، مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك» ، وفي خبر آخر : «إذا رابك أمْرٌ فدعْه» .

1.اعتصم : اعتصم بالشيء أمسكه بيده ، فجائع : رزايا جمع رزية وهي المصيبة صولة الدهر : سطوته . فحش : القبيح من القول .

2.سورة آل عمران ۱۰۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6111
صفحه از 800
پرینت  ارسال به