موسى وغباوته وانحرافه أيضا .
قوله : «إلى المولود» ، هذه اللفظة بإزاء «الوالد» . «المؤمّل ما لا يدرك» ، لو قال قائل : إنه كنى بذلك عن أنه لا ينال الخلافة بعد موتي وإن كان مؤملاً لها لم يُبعد ، ويكون ذلك إخبارا عن غيب ، ولكن الأظهر أنّه لم يرد ذلك ، وإنما أراد جنس البشر لا خصوص الحسن ، وكذلك سائر الأوصاف التي تلي هذه اللفظة لا تخصّ الحسن عليه السلام بعينه ، بل هي وإن كانت له في الظاهر بل هي للناس كلّهم في الحقيقة ، ألا ترى إلى قوله بعدها : «السالك سبيل من قد هلك» ، فإن كل واحد من الناس يؤمّل أُمورا لا يدركها ، وكلّ واحد من الناس سالك سبيل من هلك قبله . قوله عليه السلام : «غرض الأسقام» ؛ لأنّ الإنسان كالهدف لآفات الدنيا وأعراضها . «ورهينة الأيام » ، الرهينة هاهنا : المهزول يقال : إنه لرهن ، وإنه لرهينة ؛ إذا كان مهزولاً بالياء . ويجوز أن يريد بالرهينة واحدة الرهائن ؛ يقال للأسير أو للزمِن أو للعاجز عند الرحيل : إنّه لرهينة ؛ وذلك لأنّ الرهائن محتبسة عند مرتهنها .
«ورميّة المصائب» ، الرميّة ما يرمى .
قوله : «وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا» ؛ لأنّ الإنسان طوع شهواته ، فهو عبد الدنيا ، وحركاته فيها مبنيّة على غرور لا أصل له ، فهو تاجر الغرور لا محالة ؛ ولمّا كانت المنايا تطالبه بالرحيل عن هذه الدار كانت غريماً له يقتضيه ما لابدّ له من أدائه . «وأسير الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ، ونصب الآفات ، صريع الشهوات» ، لما كان الإنسان مع الموت ، كان أسيرا له لا محالة ؛ ولمّا كان لابدّ لكلّ إنسان من الهمّ كان حليف الهموم ؛ وكذلك لا يخلو ولا ينفكّ من الحزن ، فكان قرينا له ، ولما كان معرّضا للآفات كان نصباً لها ، ولما كان إنما يهلك بشهواته كان صريعا لها . قوله : «وخليفة الأموات» قد أخذه مَنْ قال : إنّ امرأً ليس بينه وبين آدم إلاّ أب ميّت لمعرق في الموت .
واعلم أنّه عدّ من صفات نفسه سبعا ، وعدّ من صفات ولده أربع عشرة صفة ، فجعل بإزاء كلّ واحدة مما له اثنتين ممّا لولده ، فليلمح ذلك .
الأصْلُ:
۰.أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ فِيَما تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي ، وَجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ ، وَإِقْبَالِ الآخِرَةِ إِلَيَّ ، مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ ، وَالاْهْتَِمامِ بِمَا وَرَائِي ، غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي