فقال العبّاس: يا رسول اللَّه، إنّ أبا سفيان رجل شريف، فشرّفه.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
فقال أبو سفيان: وكم تسع داري؟
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن كفّ يده فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن».
فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فآت قومي فأعلمهم بذلك؟ قال: «نعم».
وأذّن بلال الغداة، فسمع أبو سفيان الأذان ۱ في العسكر، فزع وقال: بدا له فيما أعطى قومه؟ قال: لا، ولكنّهم يتهيّأون للصلاة.
فلمّا أقام بلال أقبلوا يتعادون من كلّ ناحية، وتقدّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فلمّا كبّر ورفع يديه، كبر الناس ورفعوا أيديهم، فلمّا ركع ركعوا، ولمّا سجد سجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت ملكاً أعظم من ملك ابن أخيك، مافعل شيئاً إلّا فعلوا مثله.
قال العبّاس: ويلك، ليس هذا ملك، إنّما هي النبوّة.
فلمّا انفتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من الصلاة أراد أبو سفيان أن يمضي إلى مكّة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله للعبّاس: «يا أبا الفضل، كن معه وأقعده على الثنية البيضاء حتّى تمرّ به جنود اللَّه» وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أصحابه بالركوب، وعبّأهم على ما كان عبّأهم، فلمّا مرّ عليه بنو سليم قال للعبّاس: من هؤلاء؟
فقال: بنو سليم.
فقال: ما لي ولبني سليم.
ثمّ مرّت به الكراديس حتّى أقبلت الأنصار، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟
قال: هؤلاء الأنصار.
قال: ما أجد بهؤلاء طاقة، فمرّ به سعد بن عبادة ومعه راية الخزرج،، فقال: يا أبا سفيان:
اليوم يوم الملحمةاليوم تستحلّ الحرمة
فقال أبو سفيان: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، أترى رسول اللَّه بدا له؟