201
مختصر تفسير القمّي

فقال العبّاس: يا رسول اللَّه، إنّ أبا سفيان رجل شريف، فشرّفه.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
فقال أبو سفيان: وكم تسع داري؟
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن كفّ يده فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن».
فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فآت قومي فأعلمهم بذلك؟ قال: «نعم».
وأذّن بلال الغداة، فسمع أبو سفيان الأذان ۱ في العسكر، فزع وقال: بدا له فيما أعطى قومه؟ قال: لا، ولكنّهم يتهيّأون للصلاة.
فلمّا أقام بلال أقبلوا يتعادون من كلّ ناحية، وتقدّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فلمّا كبّر ورفع يديه، كبر الناس ورفعوا أيديهم، فلمّا ركع ركعوا، ولمّا سجد سجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت ملكاً أعظم من ملك ابن أخيك، مافعل شيئاً إلّا فعلوا مثله.
قال العبّاس: ويلك، ليس هذا ملك، إنّما هي النبوّة.
فلمّا انفتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من الصلاة أراد أبو سفيان أن يمضي إلى مكّة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله للعبّاس: «يا أبا الفضل، كن معه وأقعده على الثنية البيضاء حتّى تمرّ به جنود اللَّه» وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أصحابه بالركوب، وعبّأهم على ما كان عبّأهم، فلمّا مرّ عليه بنو سليم قال للعبّاس: من هؤلاء؟
فقال: بنو سليم.
فقال: ما لي ولبني سليم.
ثمّ مرّت به الكراديس حتّى أقبلت الأنصار، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟
قال: هؤلاء الأنصار.
قال: ما أجد بهؤلاء طاقة، فمرّ به سعد بن عبادة ومعه راية الخزرج،، فقال: يا أبا سفيان:

اليوم يوم الملحمةاليوم تستحلّ الحرمة
فقال أبو سفيان: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، أترى رسول اللَّه بدا له؟

1.في «ب»: «التكبير».


مختصر تفسير القمّي
200

قال: أمّا لك، فلا أجد لك حيلة إلّا أن تردف خلفي فآتي بك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فآخذ لك أماناً، فارتدف خلفه، فأدخله العسكر، فكان يمرّ بنيران أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإذا نظروا إلى البغلة قالوا: هذه بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وهذا عمّه، حتّى مرّ بنار عمر بن الخطّاب وثب إليه، فقال: كهف النفاق ورأس الأحزاب، الحمد للَّه الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد، ثمّ عدا إلى رسول اللَّه، وركض العبّاس، فوافقوا جميعاً باب قبّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال عمر: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، هذا أبو سفيان رأس الأحزاب، قد أمكن اللَّه منه بلا عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه.
فقال العبّاس: يا رسول اللَّه، إنّي أتيت به بأمان، ثمّ قال لعمر: كفّ عنه، فإنّه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من عُديّ ما قلت هذا.
وأدخل العبّاس أبا سفيان على رسول اللَّه وفرائصه ترعد، فقال صلى اللَّه عليه وآله: يا أبا سفيان، أسلم تسلم.
قال: يا محمّد، ما أحلمك وما أكرمك، وما أجودك وأرقّك؟.
قال: فأعادها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
فقال: يا أبا سفيان، أسلم تسلم، فأعاد عليه أبو سفيان الكلام، فقال العبّاس: ويلك، إن قالها ثلاثاً فلم تسلم ليضربنّ عنقك.
قال: إذن، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه.
فقال رسول اللَّه للعبّاس: خذه إليك، وليكن معك، وكانت قبّة العبّاس خلف قبّة رسول اللَّه، فأقعده العبّاس في قبّته، فندم أبو سفيان على مجيئه، وقال في نفسه: ألا كنت أجمع جمعاً من الأحابيش وكنانة، فألقاه بهم، فلعلّي كنت ظفرت بهم.
فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فأخبره، فناداه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال: «إذن كان اللَّه يخزيك يا أبا سفيان».
فقال أبو سفيان: قلت للعبّاس: أدخلني على ابن أخيك، فجاء العبّاس إلى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال: يارسول اللَّه، أ تأذن لأبي سفيان أن يأتيك؟
قال: «نعم». فدخل عليه وقال: يارسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله‏قد كان في النفس شي‏ء، وأنا أشهد أن لا اله إلّا اللَّه، وأنّك رسول اللَّه حقّاً.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82068
صفحه از 611
پرینت  ارسال به